strong>حسين بن حمزة
ليس كولونيلاً بالطبع. هذا الفلسطيني المنزوي والصامت خلف مكتبه القديم في دائرة الترجمة والتأليف في وزارة الثقافة في دمشق، لا يصلح أن يكون جــــندياً عــــــادياً في أي جيش. إنه مترجم موهوب. ولأنه متخصص في ترجمة الروايات الإسبانية التي تمتلئ بالجنرالات والكولونيلات،راح بعض الأصدقاء يلقبونه بالكولونيل، تيمناً بكولونيل غابرييل غارسيا ماركيز الذي ليس لديه من يكاتبه. أرخت تلك الرواية لدخول علماني إلى عالم الترجمة الذي لم يغادره بعد ذلك.
لا نــــعــــرف إذا كــــــان صالح علماني لديه من يكاتبه أم لا، لكننا نعرف أنه يحتفظ برسائل من ماركيز وفــــارغــــــاس يوسا وإيـــــزابيل الـــــلنـــدي. إنه واحد من أهم مـــــترجمي الأدب الإسباني، والأرجح أنه أهمهم على الإطلاق. كما أن اسمه على غلاف أي رواية إسبانية يشكل، بالنسبة إلى قراء كثر، علامة على الترجمة الجيدة الخالية من الركاكة سواء في اللغة أو المعنى.
طبعاً، هناك مترجمون آخرون جيدون، لكن الطريقة التي يترجم بها علماني جعلته أشبه بمروّج للترجمة الفاخرة التي اعتاد القراء تراكيب عباراتها وأساليب استعاراتها وإيقاعها. لقد تمت تربيتهم، بشكل خفي، على نوع معين من المخيلة الروائية المنقولة بالترجمة عن مخيلة أخرى. وباتوا، من دون أن يعرفوا، مدمنين هذه الطريقة في الترجمة، إلى درجة ينسى فيها بعض عتاة هؤلاء المدمنين أنهم يقرأون رواية مترجمة. إلى هذا الحد ينجح صالح علماني في نقل، بل في كتابة أحشاء اللغة الإسبانية وروحها التي تتوارى وراء آلاف الصور والكنايات والتلميحات الشعرية. يكتفي بعض المترجمين بسطح هذه اللغة أو بالمساحة الضيقة تحتها. وقد يكون هؤلاء بارعين في الترجمة، لكن ينقصهم، على الأرجح، أن يكونوا مؤلفي ترجمات لا مترجمين فقط.
لم نعتد بعد أن ننظر إلى جهود بعض المترجمين على أنها تتجاوز فكرة النقل من لغة إلى أخرى، وأنها قد تدنو في بعض نماذجها الراقية من التأليف. صالح علماني، بهذا المعنى، مؤلف أو تكاد مهاراته أن تصنع منه مؤلفاً بالمعنى المجازي للكلمة. هناك شيء ما في ترجمته يُغرقك فوراً في مياه مخيلة أفضل كتّاب اللغة الإسبانية. ترجمات الآخرين تبعدك إلى الضفاف الموحلة وتبقيك على السطح، وأحياناً تأخذك إلى مياه أخرى كما يحدث مع بعض الترجمات المصرية لماركيز.
في روايات مليئة بالكولونيلات، نحتاج إلى واحد منهم ليقودنا إلى عالم غير محدود وواقع هو الأكثر سحرية في الكتابة الروائية في العالم. صالح علماني هو هذا الكولونيل.