strong>أثار فيلم “عمارة يعقوبيان” اهتماماً كبيراً في أول عرض عالمي له في العاصمة الفرنسية باريس. وتستعد الصالات في الولايات المتحدة وكندا لاستقباله في تشرين الأول المقبل، فيما يُعرض في بيروت في عيد الفطر.محمد خير

تلقّف النقاد الفرنسيون بفضول كبير فيلم “عمارة يعقوبيان” الذي بدأ عرضه العالمي الأول في العاصمة الفرنسية منذ يومين. فالضجة التي أحدثها الفيلم في مصر كانت كفيلة باستقطاب المشاهدين في فرنسا على رغم أنه يتزامن مع بدء عرض 18 فيلماً من أفلام هوليوودية وفرنسية حققت إيرادات ضخمة في بلادها. واحتل الفيلم المرتبة السابعة في اليوم الأول لعرضه والخامسة ضمن أعلى عشرة إيرادات في اليوم الثاني له. وركّز النقّاد ــــ الذين اعتبروا الفيلم جيداً ـــــ على الجدل الذي أثاره في مصر.
أسئلة كثيرة أحاطت بـ”عمارة يعقوبيان” المقتبس عن رواية علاء الأسواني الذي يرصد فيها مصر في النصف الثاني من القرن العشرين. الرواية أولاً كانت محط جدل وانقسام في صفوف الرأي العام في مصر. فمواضيعها تناولت مسائل حساسة في المجتمع كالتطرف السياسي والفساد والمثلية الجنسية. وعلت الأصوات مطالبة بسحبها من السوق، على اعتبار أنّها تشوّه صورة مصر وتشجّع على “انتشار الفحش والفسق” وفق تعبير أحد النواب المصريين.
والواقع أنه عندما أعلنت لجنة بينالي السينما العربية الذي أقيم في باريس فوز “عمارة يعقوبيان” بجائزة أفضل فيلم، لم يشكّل الأمر مفاجأة بالنسبة الى الرأي العام المصري. بل خيّمت جملة من الأسئلة على هذا الفوز. هل كان ترضية ليعقوبيان عن خروجه خالي الوفاض من مهرجان روتردام للفيلم العربي؟ لا أحد يمكنه أن يجزم. كما أن أحداً لم يستطع أن يقرر ما إذا كانت خسارة يعقوبيان في روتردام تُعزى الى منح الفرصة لأفلام غير مصرية كما قال بعضهم. أم لأن لجنة التحكيم في المهرجان الهولندي كانت مستقلة بخلاف نظيرتها في باريس التي تختارها مؤسسة رسمية هي معهد العالم العربي. الأسئلة السابقة ليست سوى جزء من أسئلة عديدة أحاطت بالفيلم الذي أنتجته “جود نيوز” بكلفة هي الأعلى في تاريخ السينما المصرية ( 4 ملايين دولار ). و كانت جرعة الدعاية زائدة إلى حد تسببّ برد فعل عكسي أدى الى هجمة نقدية شرسة في مصر.
ومع أن “عمارة يعقوبيان” يمثل خرقاً لمفاهيم السينما النظيفة، إلا أنّ غالبية المشاهدين شعروا بوجود خلل ما قد يكون نابعاً من أنّ الفيلم لا يهز المشاعر بقدر ما فعلت أفلام لم تكلف ربع ما كلّفه. بين الفيلم والرواية الأصلية اختلافات فرضتها الرقابة ومزاج جمهور السينما. ففي الفيلم، يقوم اللص بقتل الصحافي المثلي حاتم رشيد (خالد الصاوي في أداء مميز ) بينما تجنبت الرواية مثل هذه المصائر “الأخلاقية”. ويقدم الفيلم الوزير الفاسد كمال الفولي (خالد صالح) بوصفه مندوباً عن آخرين وليس عن “الرجل الكبير” كما في الرواية التي تخطت المحاذير السياسية.
عادل إمام هو زكي الدسوقي المهندس الستيني الماجن، الذي يعيش من تركة أبيه الباشا السابق، ويحوّل مكتبه الواقع في عمارة يعقوبيان إلى مقر لمغامراته الجنسية. استطاع إمام أن ينفذ إلى عمق هذه الشخصية المحبطة التي عاصرت وسط البلد في سنوات ألقه وأضحت اليوم تعيش في “زمن المسخ” كما قال في أحد المشاهد الذي يظهره عائداً مع سكريتيرته بثينة (هند صبري) من مخفر الشرطة حيث اعتقلا في قضية فعل فاضح.
كانت هذه آخر المآسي في حياة بثينة العاملة البسيطة التي تقيم مع أسرتها فوق سطح العمارة. أمّن لها هذه الوظيفة ملاك أرمانيوس (أحمد بدير ) مقابل مساعدته في مؤامرة تهدف الى الاستيلاء على شقة الدسوقي بعد وفاته. في البداية، توافق مضطرة لكنها تتراجع تدريجياً عندما تكتشف أن الدسوقي هو الوحيد الذي احترمها. فحتى خطيبها السابق طه الشاذلي (محمد إمام )، حاول أن يفرض عليها نظرته الى الدين ويقنعها بترك العمل من دون أن يقدم بديلاً. هو ابن حارس العقار الذي حصل على درجات عالية في الكلية وقرر أن يلتحق بقسم الشرطة. لكن الكلية رفضته لأنه ابن بواب. فيصادق بعد ذلك مجموعة من زملائه الفقراء المحبطين الذين يجذبونه إلى أحضان جماعة متطرفة. يجري اعتقاله، ثم اغتصابه ويخرج من السجن منهاراً. أخيراً في أحد أفضل وأجرأ مشاهد الفيلم، يقوم بقتل الضابط الذي أمر باغتصابه ويموتان في تبادل النار مع رجال الحراسات.
الحاج محمد عزام (نور الشريف) ماسح الأحذية الذي أصبح ثرياً بطريقة غامضة، يقرر الزواج مرة جديدة من دون معرفة زوجته (الحاجة). فيرتبط سراً بالأرملة سعاد جابر ( سمية الخشاب ) ويسكنها في شقة فاخرة لكن يمنعها من إعلان زواجهما. يقرر دخول البرلمان فيرشي الوزير الفاسد ويحصل على الحصانة. تزداد أعماله نجاحاً فيطالبه الوزير بنسبة من أرباحه. يماطل الحاج فيلفق له الوزير قضية مخدرات تجبره على الانصياع. يبدو هذا انتقاماً شعرياً للزوجة سعاد التي غافلت الحاج وحبلت منه، فأجهضها بالقوة قبل أن يطلّقها في الليلة نفسها التي يتزوج فيها زكي الدسوقي بثينة ويقيمان العرس في مطعم السيدة كريستين ( يسرا ) صديقة زكي وعشيقته السابقة. وبينما قدمت الرواية هذا الزواج على أنه مجرد تضميد لجراح مؤلمة لا تلغي الفارق في العمر بين العروسين، قدم الفيلم الزواج بصورة ترضي الجمهور .لا يمكن الحكم على المخرج مروان حامد من تجربته الأولى وإن كان ذلك لا يخفي أنه قام بعمل متقن مقدماً صورة جميلة ومسيطراً على هذا العدد الكبير من النجوم ومتفوقاً على سيناريو والده وحيد حامد الذي جاء أقرب الى العمل التلفزيوني.