بيار ابي صعب
هل تلك المرأة المستلقية على الشاطئ بالمايوه عربية؟ غير معقول! كيف سمح لها زوجها... والدها... أخوها... بالظهور في مثل هذه الوضعيّة المشينة؟ ألم يقتلها بعد؟ على رأسها كوفيّة، وفي يدها قصّة هاري بوتر. البحر من ورائها، وعدسة لارا بلدي من أمامها. لا شك أن في الأمر سوء تفاهم، سيفكّر المواطن الدنماركي الطيّب في طريقه الى العمل ــ على الدرّاجة طبعاً، كما يليق بأي مواطن اسكندينافي طيّب، في هذا الفصل من السنة. المرأة العربية يعرفها، هو، على ذمّة وسائل الاعلام، ملفعة بالسواد من قمة رأسها الى أخمص قدميها، وربما يريحه أن يراها كذلك، إذا رآها طبعاً، فمن المفروض أنها وراء خبائها ــ كما في شعر امرئ القيس. قد يسمع صوتها في أفضل الحالات، حين ينهال عليها زوجها ضرباً.
أما تلك السيدة «العربية» الفاضية البال، المستلقية على طولها فوق جدران كوبنهاغن بملابس السباحة، تثير مشاعر ورغبات غريبة ومتناقضة لدى عابري السبيل، فما الذي أتى بها إلى هنا؟ ومن يؤكد لنا أنها عربية أصلاً؟ ثم هل هناك «شاطئ بحر» في الصحراء أصلاً؟
في البلد الذي عاش تجربة شائكة قبل أشهر، مع قضيّة رسوم الكاريكاتور المسيئة للإسلام، كل المزايدات ممكنة. والتلاعب بالكليشيهات والافكار المسبقة على طريقة لارا بلدي، يبدو خير وسيلة للتعاطي مع الواقع المتفجّر. ها هم العرب يعودون إذاً الى المدينة بأشكال أخرى، من خلال صور أنتجها جيل مختلف، بمفرداته وأدوات تعبيره، بمراجعه ونظرته الى الواقع.
في شباط الماضي أشعلت الصحيفة الدنماركية التعيسة الذكر النيران، عن عنصرية متعمّدة وفوقية ثقافية واستخفاف بالآخر، أو عن جهل فادح بواقع سياسي وثقافي واجتماعي وحضاري معقّد في أفضل الحالات. وجاء الديموقراطيون يلقنوننا دروساً ويقحموننا في معارك فولكلورية باسم حريّة التعبير (الجريدة نفسها سبق أن رفضت رسوماً مشابهة عن عيسى الناصري)... فيما المشاهد الغربي يتفرّج على الجموع الهائجة تقتحم السفارات وتحرق الأعلام، وهو لا يتخيل لحظة سرّ كل الاحباط والقهر والظلم الذي تجرّه وراءها. واليوم ها هو المواطن الطيّب نفسه يكتشف صوراً أخرى للعرب والمسلمين، بفضل مهرجان ثقافي ضخم تقرر تنظيمه منذ سنوات.
هل يغيّر الدنماركي الطيّب نظرته الى العرب؟ من تراه يصدّق: نساء التلفزيون أم نساء لارا بلدي؟ ماذا لو كانت الصورة الحقيقية مزيجاً من الاثنين معاً؟