ليال حداد
كانت الساعة الواحدة فجراً. ولم تكن المنصورية قد نامت بعد. مع بزوغ الشمس يبدأ اليوم المنشود.
منذ أسبوع لم تهدأ الحركة في البلدة، الشبان متفرقون في مجموعات، كل منهم يقوم بمهمة محددة. أما الحدث المنتظر فهو مهرجان عيد السيدة الذي أصبح تقليداً سنوياً يُقام قبل أسبوع من عيد السيدة العذراء شفيعة البلدة.
قبل نحو عشرة أيام ودّعت المنصورية ألف نازح أتوا إليها هرباً من الصواريخ والقنابل الاسرائيلية، وأمس خلعت رداء الحزن الذي طغى على كل لبنان منذ بداية العدوان عليه. عاد الفرح ليدب في البلدة، ارتفعت ضحكات الأطفال ترن في أرجاء الساحة التي استضافت المهرجان، وخرجت العائلات في نزهة غير تقليدية. التقى الجيران والأصدقاء والأحباء في الأجنحة الكثيرة، ففي معرض المهرجان أجنحة للأيقونات والكتب الدينية وأخرى للمونة المنزلية من شراب التوت والنبيذ والمربيات. يرافق المعرض كرمس للألعاب وما يعرف بالعشاء القروي من خبز مرقوق وترمس وفول وذرة وحلويات عربية وغيرها من المأكولات التي تعيد المنصورية الى أيام خلت، أيام كانت قرية صغيرة قبل أن تنجح في السنوات الأخيرة في أن تكون معلماً سياحياً.
“متى تبدأ الألعاب؟” سأل إيلي حاج (6 سنوات) وقد تلعثم بكلامه من شدة الحماسة، ففي الكرمس ألعاب حلوة وهدايا أحلى شي أضاف الصغير محدّثاً الكبار كمن تكفل بالترويج للمهرجان.
أما العم نقولا الذي بلغ من العمر نحو 70 سنة، فاستعاد أيام زمان : “كانت جوقة الزجل الأساس في المهرجان، كنا نسهر حتى طلوع الفجر مع مازة وكاس وعرق وزجل، سقى الله أياماً راحت ولم تعد”.
روى جاد تامر (مسؤول عن الأمور اللوجستية في المهرجان) مراحل العمل والتحضير بكثير من اللهفة: “لقد داهمنا الوقت، كنا سنلغي المهرجان بسبب العدوان الأخير، لكننا بعد وقف إطلاق النار قررنا إقامته دليلاً على حب الحياة ورفض الموت والدمار”. أما ريع هذا المهرجان فسيعود لنشاطات اجتماعية ومنها توفير مساعدات للنازحين.
وأضاف تامر: “لقد تعبنا جداً في الأسبوع الأخير، ففي فترة عشرة أيام كان علينا تجهيز المكان وتوفير كل المستلزمات اللوجستية الضرورية وهذا ليس بالأمر السهل إذ إن لكل منا عمله الخاص، كنا نبدأ التحضيرات عند الغروب غير أننا استطعنا إنجاز العمل في وقت قصير”.
نيكول المر (المسؤولة عن تنظيم ألعاب الكرمس) لفتت إلى أن صعوبات واجهت فريقها، وقالت “لم نكن نتوقع أن يكون هنالك إقبال على المعرض بسبب العدوان الأخير والوضع الاقتصادي، واليوم اتضح لنا العكس فالناس يبحثون عن الترفيه ويريدون تعويض ما فاتهم أثناء الشهر الماضي”.
الحماسة والبهجة خيّمتا على كل من حضر أمس. المنصورية استعادت حياتها ونمط عيشها الطبيعي بعيداً عن السجالات السياسية، وأعلنت من خلال المهرجان أن إرادة الفرح هي المنتصرة، وأكدت أسلوبها الخاص في الصمود.