عهد فاضل
لا يسهل على المثقف، التعامل بإيجابية مع فكرة الحرب. هذا ما نراه في علاقة المثقفين بأبطال الحروب، ليس في روسيا وحدها بل في ألمانيا النازية أيضاً، وكذلك في الحروب العربية المتوالية. كان دوستويفسكي من الديسمبريين ذوي النزعة السلافية، وحوكم على ذلك كما هو معلوم. وجورج أورويل الذي عمل لمصلحة الاستخبارات البريطانية في الهند. وهايدغر الفيلسوف الأشهر، حمّله هابرماس مسؤولية ما جرى في ظل النازية. أما في تاريخ الشعر العربي، فدائماً كان الحاكم المحارِب بطبيعة الحال، قريباً من الشعراء والمؤرخين والرواة.
في واقع الشعر العربي، كان الربط بين مهارة القتال ومهارة القول مترادفاً، ليعكس طموحاً إمبراطورياً يغيّب الفارق بين الخارجي والداخلي، أو الإسبارطي والأثيني. وما تعبير المتنبي الشهير عن مقدرته على الجمع بين “الجدّ والفهم” إلا صورة نهائية لهذا النموذج “الكامل” أو السوبرماني للشاعر ــ البطل. بالنسبة الى المثقفين العرب، الحديثين والمعاصرين، فقد تفوقت النزعة الإنسانية عندهم على النزعة “القتالية” إن صح التعبير. فقد انشغلوا بالتنوير والنهضة وبالتغيير ومن ثم بالحداثة.
الفجوة غير القابلة للردم، هي أن تجاوز النموذج القتالي توسّع عند المثقفين العرب، في الوقت الذي تمر فيه مجتمعاتهم بمعارك تاريخية فاصلة، حتى يكاد لا يُفْهم هذا التجاهل أو التغاضي، لأنه لا يمكن فهم تطيير حمامة بيضاء في الوقت الذي تخرق فيه الطائرات صمت المدينة!
هنا نتذكر نيكوس كازانتزاكس الذي كان يعتبر أن الزلازل التي تضرب اليونان لم تحصل إلا لتوحيد كريت بالأرض الأم! ويضيف: “حتى لو ذهبت الى الجنة دع البندقية على كتفك!”. عندنا هنا، مشكلة عربية بامتياز. حمامٌ أبيض في سماء محروقة. وما رافق حرب لبنان الأخيرة من تباينات حادة في الرأي والتقويم، جزءٌ من النقص الذي أسّس له النهضويون والحداثيون. هم حتى الآن لم يحزموا حقائبهم الملأى بالسيناريوهات: كيف يمكن أن تتعرف إلى أي جنس تنتمي إليه الملائكةُ، في الوقت الذي تتهيأ فيه الطائرات لقصف الصالون وغرفة النوم وبقية المتحاورين؟ إنما، بصراحة، أليس من الرائع أن نعرف ما هو جنس الملائكة؟