نور خالد
عندما قدم محمد عبد الوهاب مديحة يسري في أحد أفلامه كفتاة جميلة لا أكثر، لم يكن يعرف أن هذه الحسناء ستصبح النجمة المفضلة عند يوسف وهبي، وزميله «الدونجوان» و«ابن البلد» في الوقت نفسه، حسين صدقي.
جرّ وهبي فتاته السمراء إلى عالم الأكابر، في حين شدّها صدقي إلى الشارع والحارة الشعبية والطبقة الوسطى الكادحة في زمن ملكي تقاسم رزق الفقراء مع الاستعمار. لكنها في كلا العالمين، بقيت سيدة أنيقة. من المرأة الفلاحة مروراً بحبيبة طالب يأتي من بغداد، وانتهاء بمشلولة... في كل هذه الأدوار، احتفظت يسريبأناقة الأداء، واعتمدت الانفعالات الهادئة. في العام 1949، قدمت دور سعاد في فيلم «المصري أفندي» الذي كتبه وأخرجه ومثّله حسن صدقي. شكّل العمل تحدياً حقيقياً للنجمة السمراء، وكانت قدمت قبل ست سنوات مع المخرج نفسه فيلم «العامل» (شاركت في بطولته فاطمة رشدي) الذي انتصر لحياة العمال وثوراتهم.
سلط «المصري أفندي» الضوء على موهبة مديحة يسري وقدراتها التمثيلية، فجسّدت معاناة الوالدة التي تفقد أولادها في إتقان بالغ، ونجحت في كسر صورة «بنت الذوات» التي حاول المخرجون حصرها فيها. كانت تعمل على كسر تلك الصورة النمطية عبر أفلام سابقة مثل «قبلة في لبنان» (1945)، «القاهرة بغداد» و»ابن الشرق» (1947). لكن «المصري أفندي» (1949)، ثم «ابن الحداد» (1950)، جعلاها خياراً شعبياً، يجسد أحلام الفقراء وطيبتهم.
قصة «المصري أفندي» حيكت على النحو التالي: يتزوج المهندس محمد المصري (حسن صدقي) من سعاد التي تعيش معه في بيئة فقيرة. ينجبان عدداً من الأطفال، ولا يكاد دخله الضئيل يكفي طلباتهم فيندم على إنجابهم. ويوافق صديقه الثري إسماعيل على مشاركته مشروعاً تجارياً، فينتقل المصري إلى عالم الأثرياء. لكن المال حرمه من السعادة: يختفي ابنه حسن في ظروف غامضة، ويموت جميع أولاده في حادث سيارة باستثناء ابنته عائشة التي تصاب بالشلل. يشعر المصري بأن ما أصابه عقاب له بسبب اعتراضه على مشيئة الله، فيؤدي فريضة الحج ليكفر عن ذنبه. تمرّ السنوات ويعمل حسن مهندساً في شركة منافسة لشركة المصري، وتلعب الصدفة دورها عندما يلتقي المصري بحسن ويكتشف من علامة مميزة في وجهه أنه ابنه. ثم تشفى عائشة.
في تلك الفترة كتبت الممثلة المسرحية زينب صدقي عن مديحة يسري: «من ينظر إلى وجهها للوهلة الأولى يحسبها شخصية حزينة هادئة، لكنها في الحقيقة تميل إلى الفرح والفكاهة، فضلاً عن كونها تملك طاقة كبيرة من الثورة والطموح... هي شخصية عربية أصيلة، و«كوكتيل» جميل لفضائل العرب في كأس جذاب يغري بالشرب». اليوم، تقترب يسري من الخامسة والثمانين من عمرها. صديقتها نبيلة عبيد، تتحدث عنها بصفات زينب صدقي ذاتها. لم تتغير مديحة يسري، لكن الزمن تغير. أما «الأبيض والأسود» فماثل على شاشتنا يروي لنا «فضائل الزمن الجميل».
يعرض «المصري أفندي» مساء اليوم على قناة «ميلودي للأفلام»، على أن يعاد عرضه صباح يوم السبت المقبل.