خالد صاغيّة
في أحد الأيّام، شعر رئيس المجلس النيابي بملل شديد. فذهب إلى السوق وابتاع طاولة مستديرة. اختارها من النوع الخشبيّ المتين، ووزّع حولها عدداً من الكراسي. وما إن وصلت الطاولة إلى البرلمان، حتّى تسابق سياسيّون إلى حجز مقاعد لهم حول الطاولة. وبلغ التسابق حداً كاد يقودنا إلى نزاع جديد بين الطوائف التي كانت قد أعلنت للتوّ رغبتها في الحوار.
في ذلك الزمن، بدا أنّ الأمور اختلطت على اللبنانيين. فمن المتعارف عليه أنّ أيّ حوار يحتاج إلى طاولة مستديرة حتّى يسهل تبادل الحديث، وحتّى يشعر جميع الجالسين إلى الطاولة بأنّهم متساوون. لكنّ أحداً لم يسبقنا إلى الظنّ أنّ مجرّد شراء طاولة مستديرة، يحوّل ما يجري حولها من أحاديث إلى حوارات بنّاءة. ورغم كلّ ما جرى منذ تلك الحادثة إلى اليوم، ما زال بعض اللبنانيين يحنّ إلى تلك الطاولة وإلى الكراسي المتحلّقة حولها، ويتمسّـــك بها كخشبــــة خلاص فريدة.
في أحد الأيّام، شعر رئيس المجلس النيابيّ بملل شديد. فذهب في رحلة «shopping» مماثلة لتلك التي قام بها قبل أشهر. لكن، بدلاً من الطاولة، أحضر معه عدداً من الأسرّة. «تغيير شكل». اختارها من النوع الخشبيّ المتين، ووزّعها على غرف البرلمان. وتسابق سياسيّون إلى حجز دور لهم في المناوبات الليليّة.
بعد حكاية الطاولة، ها نحن نعيش زمن الأسرّة. فحوار من النوع الذي جرى، لا يستدعي حقاً إلا رغبة عميقة في النوم.