فرح داغر
استطاع عباس كياروستامي بفضل “طعم الكرز” أن يضع الفيلم الإيراني على خريطة السينما العالمية، بعد فوزه بالسعفة الذهبية في مهرجان كان في العام 1997. وصاحب “عشرة” ليس مستغرباً منه أن يقرض الشعر، وهو طالما اعتبر أنّ الديمومة من نصيب السينما الشعرية. هكذا، آثر كياروستامي أن يكون شاعراً. وقد أصدرت “دار الكتاب” الترجمة العربية لمجموعته “مع الريح”. فيها يعتمد السينمائي لغة تتسم بالبساطة: “يتساقط الثلج/ ينتهي النهار/ في الليل.../ أثر قدم عابر في الثلج/ كان قد ذهب الى عمل ما؟/ أسيعود/ من هذا الطريق؟/ المقبرة/ كلها/ مغطاة بالثلج”. شبّه نقاد كثيرون شعر كياروستامي بـ“الهايكو” الياباني الذي يكثّف الحياة، ويرصدها رصداً خالصاً. إلا أن كياروستامي يغوص أيضاً في مراياها المقعّرة بالتأويلات والرموز: “تبرعمت/ أزهرت/ ذبلت/ سقطت/ ولم يرها أحد”. “هكذا شعر كياروستامي إبن الأدب والسينما، وهو ابن الأرض وحكاية الحياة فيها”كما جاء في مقدمة الكتاب. فـ“الأرض يتجسّد فيها الحضور والغياب، والمصير السيزيفي للعابرين فيها، والزهرة التي تبرعمت تشبه حياة البشر، أو البشر يشبهون تلك الزهرة. وقصائده أفلام قصيرة، تحاكي الوجود ودورة الحياة وعبورها”. في نصّه المقتضب، لا تكاد محاكاة الطبيعة تنفصل عن محاكاة الذات وأحوالها: “ لقد أتيت مع الريح/ آتي وحيداً/أذهب وحيداً”. شعر كياروستامي محاولة أخرى لاختصار أسئلة الوجود والعدم، الكينونة والزوال.