انتشرت في الوسط الإعلامي أخيراً شائعة عن انتقال صحيفة «دايلي ستار» اللبنانية (بالانكليزية) الى قطر. ناشر الصحيفة جميل مروة نفى الخبر، على رغم خفض رواتب الموظفين بنسبة 30 في المئة. مهى زراقط

هي شائعة، لكن معظم من سألناهم في شارع الجميزة عن موقع مبنى الـ“دايلي ستار” كانوا يرشدوننا إليه مستطردين: “لكن الصحيفة انتقلت من هنا”... وحده صاحب المحل المقابل للمبنى الأزرق الذي تقع الصحيفة في طابقه السادس، أوضح: “انتقلوا، لكن هناك موظفين ما زالوا يداومون”.
الشائعة تقول إنّ صحيفة الـ “دايلي ستار” قررت نقل مكاتبها إلى قطر، وطلبت من موظفيها اتخاذ قرارهم بالالتحاق بها. المسؤولون عن الصحيفة يؤكدون أن مكتب بيروت لن يقفل، لكنهم لا ينفون الشائعة نفياً قاطعاً، ويبدو من رد الفعل عندما يطرح عليهم السؤال، أنّهم سمعوا مراراً هذا الخبر الذي تتناقله الأوساط الإعلامية.
“ليس انتقالاً، إنه مشروع توسيع بحثاً عن مدخول أفضل في دول تتميّز بأسواق اعلانية واسعة”، يجيب ناشر الصحيفة جميل مروة عبر الهاتف. ويحيلنا إلى مقالة عن “الانفجار الإعلاني الحاصل في الخليج”، صدرت في صحيفته أول من أمس، وتتناول توقعات عن تحقيق السوق الإعلانية في الخليج خلال السنوات المقبلة أرقاماً قياسية قد تتجاوز ثلاثة مليارات دولار في السعودية فقط.
هذا ما يتولى المدير العام للـ “دايلي ستار” أياد تسابحجي الإضاءة عليه مؤكداً في البداية: “نؤسس لمكتب لنا في قطر، لكننا لن نقفل مكتب بيروت. المشروعان لا يتعارضان، والتفكير في مكتب قطر ليس جديداً وخصوصاً أننا نطبع هناك منذ عام 2002”.
المدير العام، الذي أصدر قبل ثلاثة أيام مذكرة خفض بموجبها رواتب الموظفين بنسبة 30 في المئة “بسبب المشاكل الاقتصادية التي واجهتنا خلال الحرب”، يعبّر عن اعتقاده بأن تكون “الإجراءات الاستثنائية التي اتُّخذت خلال العدوان الاخير وبعده، وراء هذا الانطباع الذي أوصل بعضهم إلى استنتاج لا أساس له من الصحة”. “افتتاح مكتب للجريدة في قطر وآخر في الإمارات فكرة ليست جديدة، نحن نتوسّع في الخارج منذ سنوات، وكنا نعلن دوماً عن هذا التوسيع في الكويت ومصر... جاءت الحرب لتدفعنا إلى تسريع العمل على المشروع، لأن أحداً لم يكن يعرف كم ستطول”. ولا يجد جديداً في طريقة تعاطيه مع الموظفين: “الآلية نفسها اتبعناها عندما فتحنا مكتباً في مصر، وآخر في الكويت. تركنا للموظفين الخيار بين الذهاب معنا أو البقاء في مكتب بيروت”. ويوضح تسابحجي أن بعض الموظفين قدّم استقالته خلال الحرب و“غادر لبنان نهائياً، وبين هؤلاء زملاء أجانب. يومها قلنا لهؤلاء إننا نؤسس لمكتبين في قطر والإمارات، وإننا سنترك لهم خيار الالتحاق بالجريدة في أحد البلدين قريباً جداًَهل هذا يعني أنه يطمئن موظفي الصحيفة؟ يجيب بسؤال مقابل: “هل يوجد صاحب شركة أو موظف في أي شركة في لبنان مطمئن إلى وضعه بعد هذه الحرب؟”. ويشرح ما حصل في قطاع الصحافة المكتوبة وإعلاناتها خلال الحرب: “نحن صحيفة حرة تعيش من مدخولها وإعلاناتها، وكنا نحقّق أرباحاً. خلال هذه الحرب، بدأنا نخسر وكان طبيعياً أن نتخذ بعض التدابير التي تتيح لنا الاستمرار. فجاء قرار خفض الرواتب. كنت صريحاً جداً مع الموظفين عندما قلت إن الوضع مستقر حتى ثلاثة أشهر لكنني لا أعرف ما الذي سيحصل بعد ذلك. إذا تحسنت السوق الإعلانية فسوف نعيد الرواتب إلى ما كانت عليه، وإذا لم تتحسّن، فسأكون واضحاً أيضاً وأقول الأمور كما هي”.
لكنه يؤكد على بعض الثوابت في سياسة الصحيفة الآن، وهي: “ أوّلاً الاستمرارية، لا مصلحة لنا في إقفال مكتب بيروت. ثانياً، لن يُفصل أي موظف علماً أننا كنا قد فصلنا نحو خمسين موظفاً قبل سنة ونصف”.
ليس خفض الرواتب سياسة خاصة بالـ”دايلي ستار” وحدها، يقول تسابحجي، المسؤول أيضاً عن تسويق كل صحف لبنان: “كل شركات الإعلانات اللبنانية التي أعرفها خفضت رواتب موظفيها. انخفض العمل بنسبة 70 في المئة. هناك تجميد للإعلانات لأن المعلن ليس مطمئناً”.
ويرفض ادعاء أي صحيفة بأنها باعت خلال الحرب أكثر من السابق: “لا أعرف صحيفة باعت خلال الحرب أكثر مما كانت تبيعه قبلها. وهناك أكثر من سبب لذلك، أبرزها أن أكثر من نصف المحال التي كانت تبيع الصحف أقفلت. وهاجر نصف الناس وتهجّروا وخفّ المال بين أيديهم. كل هذه العوامل تجعلني واثقاً 200 في المئة بأنه لا صحيفة في لبنان باعت أكثر من معدلّها الطبيعي خلال الحرب”.


التسويق هاجس منذ البدايات
تأسست صحيفة الـ“دايلي ستار” في لبنان عام 1952 على يد الصحافي الراحل كامل مروة. أبصرت الفكرة النور عندما افتتحت شركات بترولية أجنبية فروعاً لها في لبنان، وقدم الكثير من الناطقين باللغة الإنكليزية للعمل فيه.
نجح المشروع وكانت الصحيفة تبيع حتى عام 1975 حوالى ثمانية آلاف نسخة. لكن مع اندلاع الحرب اللبنانية، توقفت الصحيفة عن الصدور خصوصاً بعد مغادرة الأجانب لبنان.
لم تعد الصحيفة للصدور إلاّ عام 1996 على يد ناشــرها الحالي جميل كامل مروة. وفي عام 2000 أعلنت “دايلي ستار” اتفاقاً تســـــــويقياً مع صحيفة “انترناشونال هيرالد تريبيون” يمنحها الحق الحصري بطــــــبع الصحـــيفة وتـــوزيعها في مختــــــلف الدول العربية وشمال أفريقيا مع ملحق محــــلي يتصل بالدول الـــتي يوّزع فيها. كــــان هــذا المـــشروع قـــفزة وفرصة اقتصادية للاستمرار في إصدار صحيفة محلية تضاف إلى نسخة الـ“هيرالد تريبيون”.
في السنوات التي تلت، جرى توسيع المشروع في عدد من الدول العربية مما أتاح للـ“دايلي ستار” إصدار طبعات محلية في كل من مصر والكويت. ويجري العمل منذ وقت على افتتاح مكاتب في دبي حيث للـ“دايلي ستار” مكتب في المدينة الإعلامية. لكن العمل فيه لم يبدأ بعد بانتظار الظروف الاقتصادية الملائمة. ومن المرجح أن يجري التعاون هناك مع صحيفة “الاتحاد”. أما في قطر فاتفاق التعاون سيعقد مع دار الشرق.
تتكامل هذه الخطوات مع رؤية جميل مروة للصحافة بصفتها “صناعة” كما عبّر أكثر من مرة في مقابلاته الصحافية.
ومروة هو أحد أكثر الناشرين شكوى من سياسة التسويق المعتمدة للصحف في لبنان، وأحد أكثر منتقدي تقاعس نقابتي الصحافة والمحررين عن القيام بدورهما في إطار التسويق، أقله لجهة تعديل قانون المطبوعات اللبناني الذي لا يتيح التعامل بواقعية مع متطلبات السوق.