strong>سيكون الإرهاب، كالعادة، بطل الموسم على شاشات رمضان! فهل تنجح مسلسلات هذه الدورة في تجاوز تعثّرات السنوات الماضية؟ أم أن الإرهاب بات مادة ترفيه رمضاني بامتياز؟ نور خالد

للموسم الثالث على التوالي، سيحبس المشاهدون العرب أنفاسهم من فرط التشويق والإثارة اللذين سيتخللان عرض دراما “الإرهاب”. في عام 2004، حفل المشهد الفضائي بـ“الطريق إلى كابول”، ثم جاء رمضان الماضي دور “الطريق الوعر” و“الحور العين” وغيرهما. رأينا في المسلسل الأخير “أهل الشام” ملائكة متحابّين متضامنين لمواجهة “إرهابيين” غامضي الملامح، لا يشبهون أحداً في شيء، حتى تساءل متتبّعوه: هل وقعت الأحداث عام 1860 في تورا بورا أم في جامايكا؟ المسلسل تناول الظاهرة التي تقضّ مضجع العالم والعرب، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول، كأن الإرهاب جرثومة أو حمّى راشحة يُصاب بها نوعٌ من البشر المطهّرين الذين لا حول لهم ولا قوة. فيما تفترض المنهجية النقدية أن يكون لـ“الإرهاب” أكثر من معطى، أقلّها المعطى الجدلي الذي يساوي الأنا بالآخر.
هذا العام، يطلّ نجدت أنزور بـ“دراما إرهابية جديدة” بعنوان “المارقون”، تعرض على شاشة الـ“ال بي سي”.
دعاية مجانية؟
تعقيباً على “دراما الإرهاب” التي بدأت تجتاح الشاشات العربية، رأى أسامة أنور عكاشة أن موجة الأفلام “الإرهابية” ستكون عابرة كموجة أفلام المخدرات والجنس وقضايا الاغتصاب. وجاء تصريحه رداً غير مباشر على زميله وحيد حامد الذي اتهم بمساعدة الإخوان المسلمين على الانتصار في البرلمان المصري بسبب مبالغاته في نقد ظاهرة التطرف الديني في أعماله. والغريب أنه ـ بدلاً من أن يمارس نقداً ذاتياً على نصوصه ـ “هدّد” المبتهجين بوصول الإخوان إلى البرلمان بأنه سيعكف على كتابة سيناريو “يفضح” فيه أسباب انتصار الإخوان في الانتخابات الأخيرة. وهو ما جعل الليبراليين والعلمانيين في مصر يضعون أيديهم على قلوبهم، مخافة أن يؤدي سيناريو حامد إلى اكتساح الإخوان المسلمين للبرلمان هذه المرة، بسبب التعامل الدعائي والتهويلي الذي اتصفت به أعماله الناقدة لظاهرة صعود الإسلام السياسي.
يقع الآن “أهل الشام” في التشنج عينه. أنزور حمل على عاتقه هذا العام، مهمة “إسقاط تهمة الإرهاب عن العرب والمسلمين”. وهو في مسلسله الجديد (عشر ثلاثيات وضع قصصها عشرة كتاب عرب)، يحاول – حسب تصريحه – أن يغوص في تاريخ الإرهاب ومصادره. كما يستعرض أهم الوقائع التي عاشتها دول عربية وغيّرت في مجريات الأحداث السياسية والاقتصادية في المنطقة.
في “الحور العين”، كان على المشاهد أن يتحلى بعبقرية خاصة ليفهم أطراً غير منظورة لولادة الإرهاب: توتّر علاقة الرسّام اللبناني بزوجته، لطْف زوجة التاجر السوري التي جعلت ابنها غير جدير بالاقتران بالفتاة الأردنية المحاصرة بأخيها الإنفعالي الذي لم يحسن أبوه السيطرة عليه. والصبية السورية ـ محروقة الوجه ـ التي عانت من الفقر المعطوف على زواج فاشل... وكلما ضرب رجلٌ زوجته، ولو صفعة، باتت ولادة الإرهاب مسألة حتمية.
أنزور اصطفى تناقضات المجتمع البشري، من أنانيّة وغيرة وخوف وعوز وحبّ وسواها، كإطار خلفي لقراءة ظاهرة هي غاية في التعقيد. فات المخرج السوري أن ظاهرة التطرف الديني، تحتاج إلى علماء اجتماع أكثر من حاجتها الى كتّاب تخضع نصوصهم لآلية العرض والطلب. وهو ما اعترف به وحيد حامد حينما قدم “دم الغزال” الذي رفضته الرقابة بحجة أنه “لا يوجد إرهاب هذه الفترة”، ثم سمحت بعرضه بعد تنفيذ عمليات إرهابية في شرم الشيخ وسيناء!
في “المارقون”، يقول أنزور إنه استعان بكتّاب عاشت بلادهم تجربة الأعمال الإرهابية. لذا، تنقّل فريق التصوير بين إنكلترا ولبنان وسوريا والأردن والعراق والمغرب ومصر والسعودية. ويشارك في الثلاثيات التي كشف أنزور عن أسمائها (“بين جبهتين”، “حادثة اختفاء”، “سرب الأوهام”، “الجدار”...)، وأخرى تركها مفاجأة للمشاهد، أكثر من مئتي ممثل عربي، بينهم: أمل عرفة، كارمن لبّس، نسيمة ضاهر، سيف الدين السباعي، قــيـــس الشيخ نجيب، منى واصف، جلال شموط، عبير شمس الدين وغيرهم.
قريباً من نجدت أنزور، يقف المخرجان اياد الخزوز ورضوان شاهين في عمل ثان يتحدث عن التطرف الديني، وهو “دعاة على أبواب جهنم” (نعود إليه لاحقاً في مقال تفصيلي). وإذا كان أنزور قد اعتاد الضجة الإعلامية التي ترافق أي جديد يقدمه، إلا أن النقاد لم يبدوا حتى اليوم أي اهتمام بالمولود الأردني السوري المشترك، على رغم أن شركة الإنتاج “المركز العربي للخدمات السمعية البصرية” تتوقع أن يكون من “أجرأ الأعمال التلفزيونية العربية في معالجة ظاهرة الإرهاب والجماعات التكفيرية”.
“ال بي سي” أكدت أن “المارقون” يتحدث عن تجارب حقيقية، وأن “المخابرات فتحت ملفاتها لأنزور، وأنه “تلقى تهديدات إثر إقدامه على عمل درامي قد يقلب المعادلات”. وأما منتج “دعاة على أبواب جهنّم” فقد أكد أنه لا يخشى من منع عرض مسلسله كما حصل مع “الطريق إلى كابول”.
وبين هذا وذاك، ينتظر المشاهد العربي موعداً جديداً، دعائياً، لنقد الإرهاب. لكنه يخشى من أن تتحول قضايا معقدة ومتشابكة، كالتطرف الديني، إلى لعبة ترفيهية تروّج لشيء وتخفي أشياء.