مهى زراقط
مرّة جديدة تعود صحيفة “ليبيراسيون” الفرنسية إلى الواجهة مع استقالة أربعة من كبار صحافييها أمس وهم: فلورانس أوبينا (التي كانت رهينة في العراق لمدة خمسة أشهر)، جان هاتسفلد (من المؤسسين وكبار المراسلين الحربيين)، أنطوان دو بايك (رئيس تحرير مساعد)، ودومينيك سيمونو (رئيسة سابقة لجمعية محرري الصحيفة).
استقالة الصحافيين الأربعة تأتي مختلفة في ظروفها عن “استقالة” رئيس تحريرها ومؤسسها سيرج جولي في 30 حزيران الفائت من دون أن تختلف في المضمون. جولي “استقال” أو “استقيل” نزولاً عند “ابتزاز” المساهم الأكبر في الصحيفة إدوارد دورتشيلد الذي اشترط مغادرته للاستمرار في التمويل. يومها كتب جولي مودّعاً قرّاءه: “أغادر “ليبيراسيون” نزولاً عند رغبة دورتشيلد ولأنه الأمر الوحيد الذي يمكنني القيام به لكي تستمر هذه المؤسسة”. أما فلورانس أوبينا فعزت أمس قرار المغادرة إلى أن «الوضع داخل الصحيفة تغيّر ولأني لا أوافق على ما يجري فيها»، مضيفة: «لم يتركوا أمامنا خياراً سوى المغادرة».
لا تقتصر الإشكالية في قضية “ليبيراسيون” على أنّ موظفيها يواجهون سلطة رأس المال الجديد، بل تتعدى ذلك إلى كون هذه الصحيفة اليسارية ولدت من رحم الثورة الطالبية في فرنسا في أيار 1968. أسسها جولي مع الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر وبيني ليفي في نيسان 1973، وكان هدفها إعطاء الكلمة للشعب وفق شعارها:
“peuple, prends la parole et garde-la”. شعار لم يعمّر كثيراً أمام متطلبات السوق التي رضخ لها جولي (مناوراً؟) وفق إعلانه عام 1996 “الاستقلالية أمر سهل، يجب أن تسير الأمور، يجب أن نربح المال”. ففتح الصحيفة للإعلانات (في ثمانينيات القرن المنصرم) ثم للاستثمارات الخارجية التي نقلت 80 في المئة من رأسمال الصحيفة، من فريق العمل إلى المساهمين الخارجيين.
صحيح أن “ليبيراسيون” تشكل حلقة في سلسلة طويلة من “نجاحات” الرأسمالية الجديدة في السيطرة على الإعلام... لكنها، لكثيرين من الحالمين، الحلقة الأكثر إيلاماً.