خمس سنوات على 11 أيلول ما زال هول الكارثة حاضراً في أذهان العالم بأثره. وما زالت أطياف الضحايا المتهاوية من نوافذ ناطحتي السحاب، تطارد الضمير الأميركي بأسئلتها الملحّة التي يرفض سماعها: ماذا فعلنا للعالم كي يطالعنا بكل هذا الحقد؟ من هي “قوى الشرّ” حقاً، ولماذا تراها مصرّة على التآمر ضدّ أميركا؟العنف الأعمى، ليس هناك أي قضية في العالم تبرره، أو تعطيه أدنى شرعيّة، مهما كانت عادلة ومهما عانى أصحابها من الظلم والقهر وغياب العدالة. لكن التأريخ للكارثة، في الفنّ والأدب والسينما، لا بدّ من أن يلحظ يوماً أن ضحايا “ورلد ترايد سنتر” بالملايين لا بالآلاف... وأن الكارثة بدأت قبل وقوعها، وما زالت مستمرة الى الآن. الذهول الذي انتاب العالم، وهو يتفرّج على القذائف تنهمر بالأطنان على بيروت ولبنان قبل أسابيع، لا يمكن أن يختلف عن ذاك الذي أصاب ملايين المشاهدين المتسمّرين الى شاشة التلفزيون ذات يوم مشؤوم من أيلول 2001. كيف “نؤرشف” للخراب في لبنان؟ كيف نؤرخ للكارثة، ونحيي ذكراها الأليمة؟ وأين ترانا نقيم صرحنا التذكاري؟ هناك هوّة شاهقة فتحت أخيراً في الضمير الغربي: “غراوند زيرو” العربي موجود في ضواحي بيروت. ونحن بدورنا نسأل: أما زالت الكتابة ممكنة بعد تموز 2006؟
11 أيلول. هذا الفيلم الهوليوودي الذي تجاوز المخيلة ليصبح كابوساً، هناك من يرفض أن يصدّق حتى اليوم أنّ وقائعه حصلت فعلاً. السينما ما زالت عاجزة عن اعادة امتلاك الحادثة تماماً. أوليفر ستون، المعروف بمقدرته على استعادة الوقائع التاريخية، فضّل في فيلمه الجديد أن يروي حكاية شخصية حميمة، تاركاً الأسئلة الى أزمنة أخرى. متى يحين وقت تصوير نسخة راهنة من الدكتور فرانكشتاين؟ المسخ الذي خرج عن سيطرة خالقه وقضى عليه. هذه هي الاستعارة المعاصرة لما يسمّى “الارهابي” في الخطاب الرسمي الغربي والأميركي تحديداً.
التطرف والعنف آفة يعانيها الفرد العربي، قبل صنوه الأميركي أو الأوروبي. ذلك الفرد الباحث عن الحرية، وقبلها عن لقمة العيش، وحدّ أدنى من الكرامة. لكن هناك عنفاً آخر يحاصر الانسان العربي من كل الجهات، يجسّده الكاوبوي المتغطرس والدموي الذي يدّعي امتلاك مفاتيح الحضارة وأسرار التقدم والرفاه. هذه أيضاً حكاية 11 أيلول التي لم تكتب، حكاية الثمن الفادح الذي ندفعه جميعاً، عن جرائم سياسية باردة، مدروسة يخطط لها في هدوء المكاتب المغلقة.
هل الكتابة عن الكارثة ممكنة، من وجهة نظر الضحايا المعلقين في الفراغ؟
بيار...