بيسان طي
إنها الليلة الأخيرة من حياته، يخرج سيف الإسلام الشاب الداكن السحنة من فندقه ليتسكع في شوارع مدينة أميركية، “هو شاب راديكالي لكنه ليس متطرفاً دينياً”. هكذا تبدأ رواية “أقتلوهم جميعهم” (tuez-les tous) لسليم باشي الصادرة عن دار غاليمار مطلع هذا العام. قصة بطلها أحد منفذي عملية 11 أيلول. لكنها رواية لا تشبه ما قرأناه. إنها رواية 11 أيلول التي تدين منظومة عالمية تبدأ من البلد العربي الذي لا يتسع لأبنائه وتمر ببلدان الاغتراب الأوروبية ثم تنتقل إلى قندهار حيث تسود سلطة “السعودي”، وتمر بالطبع بإدانة أنظمة البترول العربية بشكل خاص.
إنها الليلة الأخيرة لشاب يذهب إلى فعلته من دون أن يكون شبيهاً بالمنفذين أو المجرمين العاديين. يحتسي الشامبانيا ويتسكع في الشوارع ويستعيد حياته وهو يجول في أحياء السود حيث تنتعش عصابات المخدرات ويسيطر قانون “البقاء للأعنف”.
هو صار ينتمي إلى عالم “الأكثر عنفاً”. قبل ذلك، كان شاباً يبحث عن الحياة في بلده في المغرب العربي، لكنه لم يجد فيه فرصة عمل. رحل كآخرين إلى فرنسا التي اعتقد بأنها حاضنة لأحلامه، فرفضته ولم تسمح له أن يندمج فيها. لم تعترف “فرنسا” بكفاءاته ولا بمشاعره ولا بأحلامه ولا بقدراته، قذفته على رغمه إلى قندهار. وفي أفغانستان يتلقف “السعودي” وضباطه كل “المرفوضين”.
بأسلوب سلس، رسم سليم باشي صورة “السعودي” (والمقصود به بن لادن) رجلاً خبيثاً يسيطر على رجاله كما لو أنهم آلات تدار بالريموت كونترول، “يحشو رؤوسهم” بتعاليمه الإسلامية الخاصة.
بطل سليم باشي يتحول في المظهر فقط إلى “واحد من هؤلاء الرجال” لكنه يبقى رافضاً لهم. في اتصال يجريه مع المنفذين الآخرين قبل ساعات من العملية، يقول له أحدهم “يا أخي”، فيصرخ فيه “لست أخاكم”.
في الليلة الأخيرة أو “الرحلة الأبدية”، يستعيد البطل (سيف الإسلام) رحلة الهروب كلها، من بلده في المغرب العربي إلى فرنسا ثم قندهار. ويتذكر أسئلته كلها ملخّصة في سؤال عن الضحايا الأبرياء وأن من يقتل بريئاً كأنما قتل الناس جميعاً. يستعيد غضبه من “إخوته” في قندهار الذين رسموا لله صورة معشوق يشبههم، أو يشبه السعودي.
في الليلة الأخيرة يعيش بطل الرواية حالة بطء، يخرج مع فتاة من ملهى ليلي ثم يغادرها، ليعود إلى أسئلته وإلى مخطط “السعودي” ورفاقه ويشبّههم من جديد بـ“الشيطان والجن”. يكرههم لكنه على رغم ذلك مصمم على تنفيذ العملية. “غداً سيتحدث العالم كله عنها” كان يردد. يحمل السكين ويتوجه إلى المطار. يصعد الطائرة وينظر إلى المضيفة. يُفتح باب غرفة القيادة فيدخلها مع المنفذين الآخرين. حين يقترب من مركز التجارة العالمي، ينظر إلى مرايا أحد البرجين “تأمّل وجهي في المرآة” تقول له الأبدية، ثم يصدم مرايا البرج ــ رمز الولايات المتحدة والنظام العالمي ــ بالطائرة ويدخل في الليل المعتم.
“حكايتك حزينة جداً” قالت له في النهاية الفتاة التي عرفها في الملهى الليلي.