القاهرة ــ محمد خير
هجمت الشرطة على الباعة الواقفين بلا ترخيص بالقرب من حديقة الحيوانات. هرب البائع الذي كان يشتري منه حسين هدية لحماته في مناسبة عيد الأم. يعجز حسين عن اللحاق به لاسترداد باقي نقوده فيرميه بالهدية (شبشب رخيص)... يتأرجح الشبشب في الهواء ويهوي على عين ديفيد بن عميتاي مدير المركز الأكاديمي الإسرائيلي في القاهرة، اليهودي المصري الذي قرر تأمل القاهرة في يومه الأخير قبل إحالته على المعاش.
بعد مرور ستين عاماً على عرض مسرحية “حسن ومرقص وكوهين” لنجيب الريحاني (1946)، قدمت فرقة “مقهى 87” مسرحية “ديفيد وجرجس وحسين” في إطار الدورة التاسعة لمهرجان المسرح المستقل في مصر. وبينما كانت مسرحية الريحاني تؤكد على متانة الوحدة الوطنية المصرية في إطار كوميدي، جاءت مسرحية “ديفيد وجرجس وحسين” على شكل “فيلم رعب”، وأبدت الفرقة المصرية الشابة استعدادها لعرضه “بمقابل وبلا مقابل حتى يشاركنا الجميع رعبنا”، كما ورد في بروشور العرض الذي كتب نصّه ياسر علّام وأخرجه صبحي الحجار، وأعدّ موسيقاه أسامة فؤاد.
“مهرجان المسرح المستقل” الذي اختُتم عشية افتتاح “التجريبي”، لا ينظم مسابقة رسمية. الفرق المشاركة فيه، لا تتنافس إذاً إلا على طرح الأسئلة. وأول تلك الأسئلة كان بعيداً من مضمون العروض. كانت وزارة الثقافة المصرية ارتأت تأجيل المهرجان تضامناً مع الشعب اللبناني في عز العدوان الاسرائيلي. يومها تساءل المؤلف المسرحي ياسر علام: “هل المسرح مجرد فعل احتفالي ترفيهي ينأى بنفسه عن الواقع؟ وإذا كانت تلك نظرة الدولة إلى الفن، فلماذا تجبر المسرحيين المستقلين على تبنّيها من دون استشارتهم؟”.
لكن الأمر يتجاوز الخلاف حول جدوى النشاط الفني، فالمسرحيون الشباب يذكرون جيداً أن وزارة الثقافة رفضت إلغاء “مهرجان المسرح التجريبي” العام الماضي حداداً على شهداء محرقة مسرح بني سويف التي حصدت 45 ضحيّة، في عدادهم عدد من خيرة طاقات المسرح المصري. وتزداد حدة المواجهة حين نتذكّر أن الوزارة ألغت المهرجان عينه إثر غزو الكويت عام 1990، ما دعا الفرق المسرحية المستقلة – وكان عددها آنذاك محدوداً – إلى تنظيم مهرجانها الخاص. هكذا أبصر النور “مهرجان المسرح المستقل”. مع السنوات، تأسس المزيد من الفرق. لكن ماهية الاستقلال بقيت محل نقاش لجهة التمويل. فالدعم الحكومي أو الأجنبي سيطرح أسئلة عن مدى استقلالية هذه الفرق وأهدافها... ويحاول بعضهم الحصول على “دعم” من الدولة من منطلق أن الدولة شيء والحكومة شيء آخر. لكن هذه التفرقة في مصر تبدو مسرفة في الطوباوية .
مهما كانت التبريرات، فإن “الدعم” الذي تقدمه الدولة للمهرجان، من خلال “مسرح الهناجر” الذي يستضيف معظم العروض، أتاح لوزارة الثقافة أن تؤجل المهرجان مكتفية بورقة صغيرة علّقت على مدخل المسرح، ما دعا بأيمن حلمي عضو فرقة “مقهى 87” الى التساؤل: “هل ستظلّ الفرق المستقلة ترقص على السلم؟ لا يمكننا أن نسخط على الدولة طالما أننا نعجز عن توفير البدائل”.