القاهرة | راهنوا على وعي جمهور ما بعد «25 يناير»، بخاصة الشباب، ففازوا. عرض ليس سوى صرخة غضب وإنذار فنيين ممن ولدوا في عهد مبارك. من هنا كان اسم المسرحية «1980.. وأنت طالع». صحيح أنّ عمر العرض أربع سنوات، ونال يومها حفاوة نقدية يستحقها، لكنه في الأشهر الستة الأخيرة، اكتسب جماهيرية غير مسبوقة، تنافس ذاكرة الإقبال على نجوم بحجم عادل أمام، برغم الفارق الشاسع في الهدف والرسالة، ليصبح أقرب إلى الظاهرة الفنية والسياسية والاجتماعية. «1980» عرض بلا نجم أو دعاية بدأته الفرقة المستقلة «استديو البروفة» دون دعم من أي جهة. سريعاً، فرض المشروع نفسه على الإعلام، الذي تجاهله في البداية، لأنه خارج المنظومة القائمة منذ عقود. ولأنه نال ثقة الضلع الهام الغائب «الجمهور الإيجابي»، تلقى دعمه عبر صفحات التواصل الاجتماعي: «هل شاهدت «1980.. وأنت طالع؟» أنصحك برؤيته، بعشرة جنيهات فقط».
بدت الفكرة مجنونة، فكل الفرق المستقلة تكتفي بعرض ليلة اواثنتين، وإذا تحققت المعجزة، فأسبوع أو اثنين، لكن «استديو البروفة» جازفت ونزلت ملعب القطاع الخاص، استأجرت مسرح «الهوسابير» (وسط البلد) العريق، الذي ارتبط بفرقة «ثلاثي أضواء المسرح» الشهيرة في الستينيات.

المعادلة بسيطة: عرض مليء بالحيوية والسخرية السوداء، والنقد الحاد لكل من عرفه صنّاعه وعايشوه، بدءاً من حسني مبارك وصولاً إلى عبد الفتاح السيسي، مروراً بالمجلس العسكري والإخوان، و«العنوسة» و... الشيب المُبكر. كل أربعاء، كانوا يجلسون مع إدارة المسرح لبت أمر استمراره، والجمهور هو الفيصل. المفاجأة المستمرة أنّ المسرح كان دائماً «كومبليه»، بما فيه الطرقات وأرضياته، والغالبية الساحقة هم من الشباب، ثم العائلات. كأنه مقصد ثقافي، يتجمع الشباب ليروه مرة وأكثر. قطاع كبير منهم لم يعرف المسرح أصلاً، إلا مع «1980»، حتى اضطرت الفرقة إلى تقديم أكثر من عرض في اليوم، وفي الإجازات، ثم تلبية دعوات للعرض في محافظات عدة، ثم العودة إلى مسرح «الهوسابير».
البساطة والصدق هما كلمة السر. فريق العرض اختار التحدث عما يحسه هو، وبالتبعية بما يحسه ملايين الشباب. التقط همومهم وهواجسهم، ليفجّر ضحكات مُغلفة بالمرارة. بدأ المشروع برغبة أعضاء مسرح كلية تجارة «جامعة عين شمس» في البقاء معاً بعد تخرجهم. قرروا تقديم عرض يعبّر عن جيلهم من مواليد الثمانينات «وأنت طالع». هكذا، خرج عرضهم في نسخته الأولى بعد ورشة عمل امتدت 12 يوماً فقط. كتب النص محمود جمال، وأخرجه محمد جابر.
على خشبة ليس عليها سوى «دِكتان» و4 صناديق خشبية وخلفية سوداء، صمم المخرج السينوغرافيا عبر رؤية تجمع بين مسرح الجريدة اليومية، والكباريه السياسي، وتسمح بالتعديل والتجديد، لتتواكب مع ما يستجد من أوجاع، آخرها مذبحة استاد الدفاع الجوي التي استشهد فيها 21 من مشجعي «نادي الزمالك» على يد الشرطة، حتى إنّه يمكن الحديث عن 4 نسخ من العرض خلال السنوات الأربع.
لا تتوقف الضحكات المريرة على مدى 12 لوحة درامية/ اسكتشات منفصلة متصلة، تناقش قضايا ساخنة عاشتها مصر منذ «ثورة 25 يناير»، منحازة لـ»الميدان» ولـ»الثورة المستمرة»، التي غالباً ما ينفجر الهتاف بها في نهاية كل عرض، مع شعارات «25 يناير»: عيش، حرية، كرامة إنسانية.
وقبل الهتاف النهائي، يعيش الجمهور مع السخرية المريرة، مثل المشهد الذي يهجو قانون التظاهر عبر اتصال بجهاز الشرطة للاستفسار عن موعد ومكان مناسبين لتظاهرة مقترحة، فتأتي إجابة الضابط: «ميدان التحرير محجوز 4 سنين لقدام. أمامك ميدان طلعت حرب من 4 لـ 6 مساء، أو عابدين من 6 لـ8 ليلاً، واحنا ح نضرب أول ربع ساعة».

12 لوحة درامية تناقش
مصر بعد الثورة

تربط بين الاسكتشات 3 اوبريتات كأنها تؤرخ لـ «25 يناير» وتداعياتها، أحدها يتناص مع «أوبريت العقلاء» لإسماعيل ياسين (الأمر أمر الله يا ثورة)، والثاني مع أوبريت «الليلة الكبيرة»، والثالث من تراث «ثلاثي أضواء المسرح» (أوبريت «لو كانوا سألونا قبل ما يولدونا»)، وأغنية الألتراس الشهيرة «حرية... حرية».
اسكتشات وأوبريتات تشتبك مع حيرة وارتباك الشباب، ترجمها المشهد الأخير حين يجتمعون في رحلة، ويلف الطريق الضباب، ويتجادلون: «هنكمل ولا هنرجع؟»، فيكون القرار: «اذا ما كناش احنا الشباب الي هنسوق وسط الشبورة.. مين هيسوق؟ العواجيز!».
في مسيرة الأربع سنوات، نال العرض العديد من الجوائز، منها: أفضل عرض، أفضل مخرج صاعد، أفضل مؤلف صاعد، من «المهرجان القومي السادس للمسرح» عام 2013.