نور خالد
ريان يريد الابتعاد عن فذلكات الصحافة. أو هذا، على الأقل، ما حاول أن يوحيه في تصريحاته النارية الأخيرة. خلال فترة الحرب، آثر المغني اللبناني البقاء في بيروت وقدّم أغنية “لبنان عم يبكي”، وشنّ هجوماً على زملائه الفنانين الذين “استغلوا القضية من أجل الغناء”. واليوم، وسط احتجاجات أرمنية على مشاركة الأتراك في قوات اليونيفيل في الجنوب، أطلّ على الشاشة وسجّل موقفاً، لا يتجرأ كثيرون على اتخاذه. وسط ديكور تنقصه الأناقة، جلس ريان على كرسي أحد برامج قناة “الجرس” لكي يدافع عن خياره الرومانسي في ما يؤديه من أغان. كرر ريان في الحلقة التي بُثّت أخيراً الكلام الذي سبق أن قاله في لقاءات أخرى. ذهب أولاً الى الحديث عن الألحان التركية المسروقة، وقرار شركة “روتانا” بمنع الملحنين المتعاونين معها من “الاقتباس” من اللحن التركي (وهو ما لم يحصل إطلاقاً).
ريان غنّى سابقاً لحناً تركياً، لكنه برر موقفه الاضطراري “بعدما شكك الملحنون اللبنانيون بموهبتي في بداية الطريق”. وكان عليه أن يمضي في درء شبهة “التعامل” مع اللحن التركي، بأن يصل الى المفيد الحاسم: “لا بد من أنكم تعرفون، فأنا في الأساس أرمني ولا أحب الأتراك”.
موقف شجاع، سلبي لكنه حقيقي. ريان لا يحب الأتراك... هكذا قالها. عبّر عن مشاعر عدائية تجاه ما لا يقل عن ثلاثة أجيال من الشعب التركي، ظهرت بعد عام 1915، عام المذبحة التي يقول الأرمن إنها حصدت مليون قتيل، ويؤكد الاتراك أنهم أقل من ذلك.
لم يساوم، ولم يتحدث عن “ذكرى سيئة”، أو “نظام عثماني قمعي” أو عن “مجرم لا يريد الاعتراف بجريمته والاعتذار عنها”. ولم ينمّق عباراته، فجاءت عفوية بقدر ما هي صادمة.
المبدعون ليسوا ملائكة. الكتّاب والموسيقيون والمغنون والرسامون هم بشر، يملكون تلك “الطاقة السلبية” السوداء التي تنفذ منهم أحياناً. لماذا كُتب على الفنان أن يرسم ابتسامة محنّطة طوال الوقت؟ صباح نحبها لأنها تردد الجمل نفسها في مقابلاتها الصحافية منذ أكثر من نصف قرن. نحفظ كلام الشحرورة ولا نتضايق. هي صباح، ورصيدها في الفرح الذي أشاعته أغانيها في ذاكرتنا وأيامنا وذخائرنا، يغفر لها تحنيط الابتسامة والكلام المكرر: “أحبت رشدي أباظة حتى الثمالة وتشعر تجاه ابنتها هويدا بندم كبير”. ثم ماذا؟ “المصريون حبايب قلبي”، ولكن أيضاً “الخليجيون والليبيون والسودانيون والمغربيون واليمنيون”. قلب صباح يسع الدنيا كلها. كذلك وديع الصافي، يعيد دائماً العبارات نفسها. أما ابنه “الروحي” ريان، فقلبه لا يحمل كل الدفء الذي اعتاد النجوم إشاعته على الشاشة. قلب ريان يحمل ضغينة. ذكرى مذبحة. وهو لم يقل إنه لا يحب أتراك عام 1915، بل الأتراك كلهم. قد يعتبره بعضهم عنصرياً، وبعضهم الآخر جاهلاً، وطرف ثالث قد يزايد بالقول إنه حاقد وعليه أن يتخلص من ضغائن الماضي... وهنا بالضبط تكمن شجاعته.
خلال الحرب على لبنان، تناقلت غرف الدردشة رسالة بريدية قال فيها الممثل كيانو ريفز وهاريسون فورد إن الاسلام هو أساس البلاء في العالم وحرّضا اسرائيل على “الانتهاء” من العرب “الإرهابيين”، إلا انهما عبّرا بجرأة افتقد إليها الكثير من الفنانين العرب الحريصين على تنميق أحاديثهم بنكهة حضارية منفتحة، تجنّبهم الغوص في قذارة “العنصرية”. تصريحات النجمين الأميركيين جعلت منهما أشراراً وشجعاناً. هكذا أيضاً كان ريان!