محمد خير
من بين أفضل عشرة أفلام للعام 2004، احتلّ الفيلم العربي «باب الشمس» المركز الثامن في القائمة التي أعدّتها مجلة «تايم» الأميركية. كلمة «عربي» هنا ليست مجرد صفة. في الواقع، ليس في الإنتاج السينمائي ما هو أكثر «عروبة» من باب الشمس. المخرج مصري الجنسية، والممثلون من تونس ومصر وفلسطين والأردن ولبنان وسوريا، والحكاية هي «عروس عروبتكم» فلسطين، المأساة والحب والخيانةعن رواية الياس خوري التي تحمل الاسم عينه، قدّم المخرج يسري نصر الله قصة فلسطين في ملحمة سينمائية تمتد لأربع ساعات و38 دقيقة. ملحمة قسّمت لضرورات لها علاقة بأحكام التوزيع في صالات العرض إلى جزءين: “الرحيل” و“العودة”.
من توقّع مشاهدة ساعات ملونة من النضال والكفاح والعمليات الفدائية، خاب أمله. في الفيلم، كانت فلسطين أبسط وأعمق ما تكون: البشر يخطئون ويسقطون ويحاولون من جديد. والحب بين نهيلة ويونس، حب للحب وليس رمزاً لشيء أكثر فخامة. وعشق خليل لشمس يمنحها براءة لا تستحقها تماماً. تغادر بيته لتقتل زوجها السابق، وتلقى حتفها على يد الرفاق لا على يد جنود الاحتلال. اليهود ـ قبل أن يصبحوا إسرائيليين ـ يخططون للاستيطان بالعلم قبل السلاح، بينما العرب بالكاد يفكّون الخط ويتعثرون حتى في قراءة القرآن.
لكن الفيلم ليس جلداً للذات: يونس (الأردني عروة النيربي) كلما طردوه من أرضه يعود متسللاً من جديد. وزوجته نهيلة (التونسية ريم تركي) تحوّل كهفاً سرياً في فلسطين إلى عش للحب ولا تملّ انتظار يونس فيه. تطرد إسرائيل الفلسطينيين فتتوقف النساء في منتصف «الرحيل» ويقررن «العودة»، فيلحق بهنّ رجالهنّ مضطرين، فيما كان الأطفال في مخيمات لبنان يغنّون للثورة كأنهم عائدون غداً.
الفدائي عدنان أبو عواد يجلس أمام المحقق الإسرائيلي، واضعاً ساقاً على ساق، معلناً بكل ثقة أن الثورة ستخلّصه من السجن قريباً. يفرج عنه بعد عشرين عاماً، وما إن يصل إلى «المخيم» حتى يفقد عقله. يطارده الأطفال في الأزقّة، فيطلق يونس النار عليه و“يعلنه شهيداً”. غير أن هذا ليس أكثر مشاهد الفيلم إثارة للدموع، خليل (باسل خياط) يستيقظ في فراش الحب ويكتشف أن أنثى الليل لم تكن إلا وهماً مرعباً: الرصاص يفزع الأطفال المتدحرجين على بساط الخضرة في حقل الزيتون، ومكبرات الصوت الصهيونية تنعق بالعربية المكسّرة: إلى الشمال... اتجهوا إلى الشمال. لا يمكن اختصار الملاحم من نوع “باب الشمس”. لا بد من مشاهدة جزئه الأول «الرحيل» عند الثامنة من هذا المساء على قناة «الشاشة».