Strong>رحل الممثل المصري فؤاد المهندس (84 عاماً) بهدوء بعد حياة فنية صاخبة، مليئة بالإنجازات، تاركاً بصماته على تاريخ الكوميديا المصرية التي لقّب بـ “فارسها”. ومن عباءة «ملك الفودفيل» خرج بعض أبرز ممثلي الخشبة المصرية خلال العقود الأخيرة.
محمد خير

لم يصبر فؤاد المهندس على فراق صديقه عبد المنعم مدبولي، فلحق به بعد شهرين، وبعد أربعة أشهر على فراق ابنته الفنّية سناء يونس. فالمهندس تعلّم من أستاذه نجيب الريحاني أن كلمة “مسرح” تعني العمل الجماعي، وها هو يتضامن مع آخر عمالقة الفن الهادف ممن رحلوا هذا العام فيلتحق بهم.
الكاتب الساخر أحمد رجب كان يكتب يومياً فقرة “كلمتين وبس” للإذاعة المصرية. لكن الجمهور ظلّ على مدى عشرين عاماً ينسبها الى فؤاد المهندس الذي اقتصر دوره على قراءة الفقرة. كان “فارس الكوميديا” يطبع بصمته على أي دور يلعبه مهما كان صغيراً. ومن لا يصدق أنه منح معنى جديداً لكلمة “الدور الثاني”، عليه أن يتخيل فيلم “معبودة الجماهير” أو “الشموع السوداء” من دون فؤاد المهندس، أو يتخيل ممثلاً آخر يلعب دوره في “البيه البواب”. من يرصد حياة المهندس يرى أنه فنان مسرحي في الدرجة الأولى. فهو رأى دوماً أنّ الـــــسينما وسيلة لجمع المال من أجل إنتــــــاج المسرحيات. كان هذا رأي الريحاني أيضـــــاً. لكن لحــــــسن حظ الــــــتـــــلميذ أنه لحق بعصر التلفزيون فــــــسجّل مسرحياته، بـــــينما لم يـــــبق لنا من الريحاني سوى أفلامه الثمانية. اندمج المهندس في عمله الإذاعي مع فرقة “ساعة لقلبك”، وما لبث أن خرج بها إلى خشبة المسرح التجاري بعد النجاح الذي لقيته. وعندما التقى بشويكار، كان الوحيد الذي رأى فيها موهبة كوميدية تختفي وراء فتنتها وشعرها الأشقر، فقدّمها في مسرحية “السكرتير الفني”، مكرساً مشوارهما المسرحي الذي أضاءته “أنا وهو وهي” و“حواء الساعة 12” و“سيدتي الجميلة” المأخوذة عن رائعة برنارد شو. هو أيضاً من اكتشف الكوميديا في أمينة رزق التي أضحكتنا في “إنها حقاً عائلة محترمة”. وعلى رغم أنه قدم شيريهان كوميديانة في “سك على بناتك”، كان أول من توقّع لها مستقبلاً استعراضياً باهراً.
كانت حركاته الجسدية خليطاً من تأثره بشارلي شابلن الذي كان يقلّده في ارتداء القبعة العريضة والبنطلون الممزق والحذاء الضخم وحمل العصا، والهولندي غروتشو ماركس الذي كان يقلّده في تحريك حاجبيه. أطلق عليه النقاد لقب ملك «الفودفيل»، إذ كان يبحث دوماً عن الكوميديا الخفيفة، ولم يتخل عن شعار “الضحك من أجل الضحك” حتى في السينما.
وعلى رغم أنه قدّم أكثر من 60 فيلماً، لم تحب الشاشة الكبيرة المهندس إلا كوميدياً مغامراً. ولم يعرف أحد ما الذي كان يدور في رأس المهندس عندما لعب دور الـ“دون جوان” في فيلمه الأول “بنت الجيران” لمحمود ذو الفقار عام 1954. وقتها، لم يتقبل الجمهور “فتى شاشة” يرتدي نظارات غليظة، فانصرف إلى الأدوار الثانية (“الأرض الطيبة”، “بين الأطلال”، “أميرة العرب”، “اعترافات زوج”، “الساحرة الصغيرة”، “نهر الحب”، “ألمظ وعبده الحامولي” و“الشموع السوداء”...).
أما على صعيد البطولة المطلقة، فقدم “أخطر رجل في العالم”، “فيفا زالاطا” و“شنبو في المصيدة” و“العتبة جزاز”. وفي الستينيات، بلغ المهندس عصره الذهبي، وشكّل فيلم “عائلة زيزي” (1963) الذي أخرجه فطين عبد الوهاب محطة أساسية في تاريخه لينطلق بعدها الى أدوار البطولة المطلقة. قدم مع المخرج نفسه فيلم “أرض النفاق” عام 1968. وكان يبحث من خلال هذا الفيلم عن الأسباب الحقيقية وراء النكسة في قالب كوميدي، يستسيغه المواطن البسيط. لكنه بعدما تقدم به العمر، عاد إلى الأدوار الثانية، فشارك عادل إمام في فيلمي “خلّي بالك من جيرانك” و“خمسة باب”. وكان آخر أفلامه “ونسيت أني امرأة” عام 1994.


عن الحب وأشياء أخرى
القاهرة ــ محمود موسى

لم يكن ذلك الشاب الذي ولد في ضاحية العباسية في القاهرة في 6 أيلول عام 1924 يعلم أن حلمه بالتمثيل سيصبح حقيقة. فالولد الثالث في عائلة زكي المهندس، عميد كلية دار العلوم وعضو مجمع اللغة العربية، التحق بكلية التجارة نزولاً عند رغبة والدته التي عارضت دخوله مجال التمثيل.
لكن الصدفة خبأت له لقاءً، في ذلك الحين، مع نجـــمـــه المــــفضل نجـــيب الريحاني.
كان المهندس يحضر عرض مسرحية «الدنيا على كفّ عفريت» عام 1948، عندما اعترف لصاحبها بعشقه للتمثيل.
هذا الاعـــتـــراف شكّل انطلاقته في عالم الفن.
لكن موت الريحاني، بعد عام، حرم التلميذ من أســـــتاذه ومن وراثـــة فرقته، بينما قام شريك الريحاني بديع خيري بدفع ابنه عادل ليحلّ محل الريحاني كــــــنجم للــــــفرقة المــــسرحية.
لم يكن سهلاً على المهندس احتراف التمثيل. وهو قد تحدث عن ذلك مراراً: «على رغم أني عشت مناخاً اجتماعياً كان يُعدّ فيه الفن إثماً وجرماً، لم أستطع أن أقاوم أو أخضع لأوامر والدي الذي كثيراً ما قسا عليّ وضربني وأهانني. وعندما لم يجد سبيلاً لثنيي عن سلوك طريق الفن، اشترط عليّ أن أنهي دراستي أولاً ثم أصنع ما أشاء. حتى هذا الشرط لم أقو على تنفيذه، فكنت أتسلل من منزلنا ليلاً سيراً على الأقدام من دون أن يشعر بي أحد، لأجلس فى كواليس مسرح الريحاني». وصودف يوماً أن كان مشتركاً بالتمثيل فى حفلة مدرسية، حضرتها والدته مع إخوته درية وصفية (الإذاعية المعروفة) وسامي. ولم يكن يعلم بحضورها، كما لم تكن تعلم أنه مشارك في تلك الحفلة. وما إن صعد على الخشبة حتى فوجئت به الأم يقف بين الممثلين فصاحت به قائلة: «انزل يا ولد»، فترك المسرح ونزل.
ماذا عن الحب؟
تزوّج المهندس مرتين. في مرحلة الشباب، أحبّ جارته عفت سرور نجيب. وبحكم الجوار كانا يتلاقيان كل يوم فى طريق الذهاب والعودة من المدرسة. وقد ظلّّّّ الحب قائماً حتى تزوّجا عام 1951، وأنجبا أحمد ومحمد.
لكن الزوج السعيد ورب الأسرة المثالي، كان على موعد مع القدر ليخوض تجربته الثانية، عندما التقى بالشقراء الفاتنة ذات العيون الذهبية... شويكار.
في ذلك الوقت، رشحت الشائعات فؤاد للزواج من المطربة الشقراء صباح بعد لقائهما كثنائي فى أغنية «الرجل ده حيجنّني».
لكن هذه الشائعة ما لبثت أن اختفت عندما ظهرت فى حياته الشقراء الثانية شويكار بعدما التقيا معاً للمرة الأولى فى مسرحية «السكرتـــيــــر الفـــني» على مسرح دار الأوبرا.
وفي اليوم الثالث من العرض تزوّجا، واستمرت علاقتهما 13 سنة.
عاش فؤاد المهـــنـــدس ســــنــــــواته الأخـــيــــرة في المنزل، محـــــاطاً بأحفاده وأحفــــاد أشقائه.
عرف بعاطفيته وحبه الشديد للأطفال، وقدّم لهم فوازير «عمو فؤاد» ومسرحية «هالة حبيبتي».