بيار أبي صعب
اتصلت بك ليلة أمس الأوّل، وكان هاتفك المحمول مقفلاً. كنتُ على سذاجتي المعهودة متمسكاً بحبال الأمل. فكرت بأنها ربّما تكون شائعة لئيمة. أقصد خبر اعتقالك الاثنين في دمشق. ما عساها تكون تلك الفعلة “المشينة” التي قادت رجال الأمن إلى بيتك؟ أعرف أنك منهمك في الإعداد للمعهد السينمائي الذي تشرف عليه في عمّان. أعرف أيضاً أن “الطوفان” أحدث أفلامك، عرض قبل أيام على قناة “العربيّة”.
تذكرت الآن كيف أن أحد مسؤولي المحطة المذكورة التقاك في مجلس التعزية بسمير قصير بُعيد اغتياله، وقال لك آسفاً إن برمجة “الطوفان” على شاشتهم تأجلت “بسبب الظروف”. هززت رأسك بلطف ولم تعلّق. لماذا أستعيد سمير قصير في هذه اللحظة؟ لم أبكهِ الا في سرّي كل هذه الأشهر الطويلة القاسية، هارباً بقصّتنا بعيداً من حفلات المزايدة والاحتواء والمتاجرة التي تعرّض لها بعد انكسار قلمه. الآن أتذكّر تلك الندوة الغريبة التي ضمتنا نحن الثلاثة في “صالة أمبير” قبل عامين، في إطار “أيام بيروت السينمائيّة”. كانت الندوة عن السينمائي جان لوك غودار. أنت حاولت أن تقول إن تجربته مرّ عليها الزمن، وأفلامه صرعة قديمة... فثارت ثائرتي وتخاصمنا. ثم دعا سمير الجمهور الى التضامن معك ضد الحملات المغرضة التي يتعرّض لها “طوفان في زمن البعث”، وعدنا بلمح البصر الى الخندق نفسه.
لا أعرف أين ستكون عندما يصدر هذا العدد من “الأخبار”. هل سيتركك المحققون تعود الليلة الى البيت كما فعلوا بالأمس؟ هذا الصباح قيل لي إنّك رجعت مجدداً الى مركز الأمن، متأبطاً فيلمك لتعرضه وتناقشه مع المحققين. يا أخي هذا نادي سينما أم جلسة تحقيق؟ فيلمك “الطوفان” عرض في العالم أجمع بدءاً من بيروت ودمشق. فيه تعود الى القرية التي مجدت فيها الحلم البعثي قبل 33 عاماً في أول أفلامك، لتفكك تلك الآلة الايديولوجية القادرة على قولبة الوعي وإنتاج هزيمتنا الحضارية.
منذ نقاشنا القديم في “الأمبير”، أعرف أنّك “جدع” يا عمر، فعساك تمكنت اليوم من اقناع “محاوريك” بأن الجرأة واجبك المقدس كفنّان، وأنها في خدمة وطنك! وأن ما تقوله ينطبق على أمة العرب وأنظمتها مجتمعة: إما التحديث والسير بثقة نحو الديموقراطية، وإما الطوفان. قل لهم إن الكاوبوي المتغطرس بالمرصاد، وإن الانفتاح والتقدم هما الشرطان الأساسيان لبناء مستقبلنا واستقلالنا ووحدتنا الوطنية، وإرجاع اليانكي الى “غربه البعيد”.
وعلى فكرة، لا تتأخر علينا كثيراً... أريد استئناف نقاشنا بشأن غودار!