strong>روجيه عساف من بيروت، مارسيل خليفة وكاميليا جبران من باريس، برايتن برايتنباخ من نيويورك، وخالد جبران في رام الله التي احتضنت تظاهرة ضخمة للتضامن مع لبنان والعراق وفلسطين.
رام الله – يوسف الشايب

“لي زهور الحنطة”، هذا ما نطق به المغني الإيراني داريوش قبل إعدامه على يد الشاه. وهذا ما عزفه الفنان الفلسطيني خالد جبران في مقطوعة “مزمور إيراني”، معلناً من رام الله، انطلاق فعاليات الأمسية الفنية “لنهزم الصمت”، بمشاركة نخبة من النجوم العالميين والعرب عبر الأقمار الاصطناعية، غنوا وعزفوا وقرأوا الشعر لفلسطين ولبنان والعراق.
روجيه عساف، المسرحي اللبناني، اعتذر من بيروت للجمهور الفلسطيني، “لأن ما حدث في لبنان شغل الإعلام عما يحدث في فلسطين، ورفض الالتزام بدقيقة صمت، احتجاجاً على ما يحدث في غزة وحداداً على أرواح الشهداء، بل نزع نظارته وبدأ بالصراخ، وسط تصفيق هزّ أرجاء قصر رام الله الثقافي.
عسّاف تحدث عن فلسطين البعيدة القريبة، وقال: “أبعد من أن تُداس وأقرب من أن تُباس”. وتحدّث أيضاً عن علاقة الإنسان بالحجر، تلك التي يدركها الفلسطيني واللبناني، وهي أبعد ما تكون عن “الإسرائيلي آليّ القسمات والحركات”، وعن “القنابل الذكية التي تصيب الهدف بدقة أكبر من تلك التي يملكها قاذفها المتوحش”، وعن رحلة مفترضة لظلّه إلى الجليل وغزة، “فالظلال لا تعرف الحدود”.
وتواصلت الأمسية التي نظمها مركز الفن الشعبي في رام الله ومركز الأرموي لموسيقى الشرق، وفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية، مع العازف البريطاني جون وليامز الذي قدّم من لندن، معزوفة أندلسية تغازل قرطبة ومياهها وعصافيرها.
أما أمين معاني، نجل الشاعر الشعبي فؤاد حداد، فتحدث من القاهرة، على لسان “المسحراتي”، عن عشقه للقدس وفلسطين.
وبينما كانت أشعار محمود درويش التي قدمها خالد جبران وسهير البرغوثي، تتخلل الانتقال من بلد إلى آخر، صرخت الفنانة الفلسطينية كاميليا جبران من باريس: “بحبك يا فلسطين”. وغنّت من أشعار بول شاوول “كل هذه الحروب”. ثم قدّم الفنان المسرحي الفلسطيني يوسف أبو وردة مشهد “مذبحة الأطفال”، ليطلّ بعدها العازف العراقي خالد محمد علي، من دبي، في وصلة ارتجالات من مقام النهوند.
وكان للشاعر الجنوب افريقي برايتن برايتنباخ، المعروف بمواقفه الداعمة لحق الشعوب المحتلة في التحرر، قصيدتان قدّمهما من نيويورك، إحداهما كتبها من سجنه لزوجته. وكان الشاعر قد سجن تسع سنوات لدى النظام العنصري في جنوب افريقيا (علماً أنه أبيض)، لمجرد زواجه بفتاة فيتنامية.
وما إن ظهرت صورة مارسيل خليفة من باريس على شاشة قصر رام الله الثقافي، حتى اشتعلت الصالة تصفيقاً وصفيراً، ولم تحل مشكلة عدم وصول صوته إلى رام الله، بادئ الأمر، دون التواصل معه. بدأ الجمهور بغناء “شدّوا الهمّة الهمّة قوية”، حتى جاء صوت مارسيل خليفة، مغنياً “بين ريتا وعيوني بندقية”، قبل أن يغطي وجهه بعوده، كمن يحجب دموعه.
واختتمت فعاليات الأمسية التي تابعها قرابة ألف فلسطيني في قاعة قصر رام الله الثقافي، وفي فندق “الروتس” في غزة حيث أُعدّت شاشات عملاقة، بمقاطع من فيلم “أحلام المنفى” للفلسطينية مي المصري. كما قدمت فرقة “الفنون الشعبية الفلسطينية” لوحات راقصة تحاكي الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال.
وترى إيمان الحموري، مديرة مركز الفن الشعبي، أن دور الفنان الملتزم والجاد في شحذ همم الشعوب كان ولا يزال أكبر بكثير من دور السياسي: “الأمسية كانت للتعبير عن وحدة فنانين ومبدعين عرب وأجانب في رفضهم الاحتلال والظلم والاضطهاد، وانتصارهم للإنسان، في فلسطين ولبنان والعراق... التزام الصمت، إزاء ما يحصل في فلسطين وما حصل في لبنان، جعلنا نتساءل عما يعرف بـ “المجتمع الدولي”، وإن كان قادراً على الخروج من فلسفة شريعة الغاب التي تحاول الدول الكبرى فرضها على العالم، في محاولة منهم لتغيير مفاهيم الحرية والعدالة. لذا، جاءت هذه الأمسية صرخة، عبّر عنها روجيه عساف بتلقائية، ضدّ الشعوب الراضخة والمستكينة تحت وطأة هذا الصمت المخزي”.