القدس المحتلة ــ نجوان درويش
لم يتمكن شاعر مثل أهارون شبتاي الذي يعد من كبار الشعراء باللغة العبرية، من نشر قصيدته ضد الحرب على لبنان في أي صحيفة إسرائيلية. القصيدة المذكورة كتبها في الأسبوع الأول من العدوان الاسرائيلي، وجاءت على شكل صلاة وتضرّع يرفعهما الشاعر كي يُهزم جيش الاحتلال. وكان هذا الشاعر الاسرائيلي الذي يغرّد خارج السرب، قد دان العدوان الأخير، قائلاً في تصريحات صحافية: “أتمنى أن يفشل الجيش في هذه الحرب، وعندئذ ربما نصبح أكثر تعقّلاً، إنسانية، وشفقة، وقدرة على العيش مع شعوب أخرى ومع أناس آخرينهذا الفشل سوف يغسل البقعة العسكرية الموجودة مثل الوساخة في قلبنا”. ولد شبتاي في تل أبيب عام 1939، ودرس التراث الإغريقي والفلسفة في الجامعة العبرية في القدس المحتلة وفي السوربون وكامبريدج، ودرّس الدراما الإغريقية لسنوات طويلة في الجامعة العبرية وجامعة تل أبيب. وهو اليوم يسعى الى الرحيل من اسرائيل تحت ضغط التضييق الذي يتعرض له بسبب مواقفه السياسية، إضافة إلى مواقف زوجته تانيا راينهرت أستاذة الألسنية في جامعة تل أبيب والمفكرة السياسية التي عانت الاضطهاد في الجامعات الإسرائيلية بسبب مواقفها، ومن ضمنها، مثلاً، تأييدها الحازم لحملة المقاطعة الأكاديمية للجامعات الإسرائيلية.
أصدر شبتاي 17 مجموعة شعرية، إضافة إلى ترجماته للدراما الإغريقية إلى اللغة العبرية (حوالى 25 عملاً ترجمها من الإغريقية إلى العبرية). وهو يتجاوز في مواقفه السياسية شعراء عبريين آخرين، مثل نتان زاخ أو اسحاق لاؤور، عرفوا بيساريتهم، ونقدهم لسياسات الدولة العبرية، وإدانتهم لجرائمها، بل إنه ينتقد زملاءه هؤلاء، معتبراً أن مواقفهم السياسية ــ هم وأمثالهم ــ “غالباً ما تفتقر الى الصدقية”، وفي أحسن الأحوال يتّهمهم بالتقصير.
ويصدق في أهارون شبتاي القول إنّه يغرّد خارج السرب ــ وهو بالتالي لا يشكل تياراً في الثقافة الإسرائيلية، التي يطغى عليها الطابع الكولونيالي العنصري، حتى في خطابات “اليساريين” التي تنطوي على قدر هائل من التمويه. إنه ظاهرة فردية بل يكاد يكون نوعاً من الاستثناء الذي يؤكد القاعدة الصهيونية... لكن بمعزل عن مواقفه السياسية، لا بد من التأكيد على القيمة الأدبية لأعماله. أهارون شبتاي شاعر شديد الخصوصية، يتصف شعره بالجرأة والحيوية وفيض الحواس... فمادة عالمه الشعري ذاتية أساساً، وفيها الكثير من لغة الحياة اليومية المعاشة وأشيائها ومفرداتها، حتى حين يتناول موضوعات تاريخية.
وفي السنوات الأخيرة تركز معظم نتاج شبتاي على موضوعته الأثيرة: العار الإسرائيلي. وأوضح مراراً أنّه، من خلال نشاطه الشعري والسياسي، يحاول حماية إنسانيته “في ثقافة يرتفع منسوب العنصرية فيها يوماً بعد آخر”. وهو لا يتردد في إطلاق صفة “النازية” على جنرالات اسرائيل وساستها. وبقسو الشاعر على نفسه حين يستعيد المرحلة السابقة من حياته، حين كان يعيش “مواطناً عادياً” غير مدرك لهول جرائم دولته، “كنت أعمى” يقول شبتاي بلغة ملؤها الندم والغضب الذي يرافق عادة الشعور بعقدة الذنب.
ورفضت صحيفة “هآرتس” نشر قصيدة شبتاي عن العدوان الاسرائيلي الأخير، هي التي سبق لها أن نشرت قصائد سياسية مباشرة وحادة لشبتاي في ملحقها الثقافي، أثارت في حينها حملات تحريض من المتطرفين الإسرائيليين. أما هذه المرة، فيشاء المناخ القمعي في اسرائيل أن تظهر القصيدة بترجمتها العربية قبل نشرها في أي صحيفة إسرائيلية: “باسم الكتب الجميلة التي قرأتُ/ باسم القبلات التي قبّلتها/ فليهزم الجيش”.
ويكتب الشاعر عن وحشية آلة الموت الاسرائيلية وهمجيتها، تلك الآلة التي لم تحصد سوى الأبرياء من المدنيين والعزّل في لبنان، محدداً موقفه الى جانب السلام والضحية: “في هذه الحرب/ أنا مع القرى/ مع الجوامع/ في هذه الحرب/ أنا مع العائلة الشيعية/ مع صور/ مع الأم/ مع الجد/ مع الأطفال الثمانية في سيارة الميني ڤان/ مع منديل الحرير الأبيض”.