عبد الغني طليس
المنطق نفسه والمعاني نفسها، حتى المفردات نفسها تقريباً هي التي تجمع بين أغنية (لا أوبريت) «الحلم العربي» وأغنية (لا أوبريت) «الضمير العربي» التي أنجزت أخيراً، وستعرض قريباً في وسائل الإعلام.
الأوبريت هي عمل مسرحي موسيقي وغنائي، أما «الحلم العربي» فكانت أغنية بخمسة عشر مقطعاً متشابهاً. كذلك «الضمير العربي» هي أغنية لا أوبريت، لأنها محمولة على عدد كبير من المقاطع الغنائية لا على نص مسرحي غنائي.
إن الاصرار على تسمية «الضمير العربي» بأوبريت، يعكس رغبة في تضخيم الأمور. وإذا تجاوزنا التسمية الى المضمون، نجد أن «الضمير العربي» منطلقة من حدث معين لقول مجموعة من الأفكار التي تعكس مشاعر فئات كبيرة من المجتمع العربي، وتترنح بين واقعهم المرير وأحلامهم التي لا تأتي. إن الكلام على التضامن والأخوة والمحبة والمصير الواحد في العالم العربي عبر الأغاني لم يستطع في الأغلب الأعم أن يتجاوز النقاط الإنشائية ليدخل الى صلب الموضوع من زوايا شؤون الإنسان العربي وشجونه.
نقول «في الأغلب الأعم» حتى لا يذهب بعض الصالح من الأعمال الوطنية بظهر الطالح. و«الضمير العربي» ـ على الأقل في النصوص التي أدّاها بعض المغنّين ـ هو عبارة عن نوستالجيا حزينة بكائية سوداوية تبحث من دون جدوى عن الفرح والحلم والإشراق. أضف الى ذلك النفس الرومانسي الذي تعكسه ألحان مقاطع الأغنية، وهو نفس يحرك الذاكرة باتجاه الأغاني العاطفية البسيطة أكثر منه إلى الأغاني الوطنية الدرامية. وفي حالة كحالة «الضمير العربي» ينبغي أن يطغى الحس الدرامي التأليفي في اللحن والتوزيع الموسيقي أكثر من الحس التعبيري الفطري.
لا شك في أن «الحلم العربي» نال قسطاً كبيراً من الانتشار بفضل الحملات الإعلامية والإعلانية التي واكبته لا بفضل المعاني الغنية التي طرحها. وقد كان أداء النجوم فيه يعتمد على نجوميتهم وأسمائهم أكثر مما يعتمد على قدراتهم الصوتية ومدى اتساع حناجرهم. وما رشح من لحن «الضمير العربي» عبر بعض محطات التلفزة ينبئ بأننا أمام حالة تكرر «الحلم العربي» ولا تتجاوزه.
إنها مشكلة تتعلق في مستوى ما ينتج من الأعمال الفنية ككل لا فقط بمستوى إنتاج الأغنية الوطنية. يذهب تفكير الإنتاج الغنائي العربي في اتجاهات استعراضية، لا بمعنى الرقص ومشتقاته، بل بمعنى عرض الأفكار الموازي لعرض الأزياء مثلاً وكمثل انحدار الأغنية العاطفية في اتجاهات أقل ما يقال فيها إنها استهلاكية. هكذا انحدرت الأغنية الوطنية التي اكتفت ببعض العناوين والأفكار والتركيب الكلامي الذي يظن نفسه غائصاً في العمق بينما هو يطفو على السطح.
يحكى أن أموالاً كثيرة صرفت على «الضمير العربي»، وأن أموالاً إضافية ستصرف على الترويج. وإذا كانت أغنية «الحلم العربي» جديدة في صورها على المشاهد العربي، فإن أغنية «الضمير العربي» ستقع في فخ تكرار عمل آخر، وهي أقل احترافاً وحداثة.
وإذا كان لا بد من سؤال فهو: كم حلماً من الأحلام حرّكت أغنية «الحلم العربي»، وتالياً كم ضميراً ستحرك أغنية «الضمير العربي»؟