أمل الأندري
“صار عمري 500، صرت أحلى ألف مرة” هذه ليست “لوليتا” نزار قباني، بل “منى” ليوناردو دافنشي التي حمل بها ثلاث سنوات قبل أن ينجبها عام 1506. سمّها ما شئت، “موناليزا” بالانكليزية، “لا جيوكوندا” بالايطالية، مدام ليزا بالفرنسية أو بكل بساطة منى التي بلغت في عام 2006 خمسة قرون وما زلت ابتسامتها الغامضة تثير فينا الحيرة.
لكن هل تعلم قصة هذه الابتسامة؟ يقال إنّ دافنشي كان يستأجر مهرّجاً ليجعل موناليزا تحافظ على ابتسامتها هذه طوال المدّة التي كان يرسمها فيها. والآن، هل انتابك الفضول لمعرفة هويتها ومكان اقامتها؟ هي اليوم تسكن مع أصدقائها في متحف اللوفر، لكن قبل ذلك بكثير، كان لديها منزلها وعائلتها في ايطاليا. تدعى ليزا جيرارديني، ولدت في فلورنسا عام 1479 من عائلة متواضعة. تزوجت في الـ 16 من عمرها fتاجر حرير يُدعى فرانسيسكو دي بارتولوميو ديل جيوكوندو الذي كان صديقاً مقرباً لليوناردو.
المهم أنّ منى طموحة، لم ترضَ بهذه الحياة الهانئة، بل رافقت ليوناردو في ترحاله طيلة فترة حياته. ذهبت معه الى فرنسا حيث سكنت في حضرة ملك فرنسا فرنسوا الاول، اقامت أولاً في قصر فونتينبلو ثم انتقلت الى قصر فرساي. وبعد الثورة الفرنسية، آلت الى نابليون الذي “استضافها” في حجرة نومه قبل أن تشدّ رحالها الى متحف اللوفر عام 1804.
لكن في متحف اللوفر، شهدت منى محطات كثيرة عرفت فيها الترحال والتشرد و... الخطف أيضاً! كثيرون وقعوا في حبائلها، حتى إنّ غيّوم أبولينير وبابلو بيكاسو اتهما بـ “خطفها” مرةً وكذلك الكاتب الايطالي غبرييلي دانونزيو (1863-1938) الذي أوحى له غموض ابتسامتها بالكثير من الاشعار. ومن أشهر خاطفيها الفعليين، شاب فرنسي يدعى فينشانزو بيروجيا الذي قال يوم محاكمته على فعلته عام 1913، إن دافعه لسرقة منى كان أنّها تشبه ماتيلدا معشوقته التي ماتت.
لا تستغرب، فالحقيقة أنّ منى تشبه كل النساء وتختصرهنّ ايضاً، لذلك هي... مُنى كل الرجال! فكلمة “جيوكوندو” تعني بالايطالية السعادة والهناء. وليوناردو كان يدرك أنّه لا يرسم امرأة فحسب بل كان يجسّد السعادة.
منى توحي للناظر اليها أنّها تراقبه، نظراتها ثاقبة تخترق داخلنا، الى درجة دفعت الناقد الفرنسي برونو ماتون الى القول إنها “تنظر الى شيء فينا، يقع وراءنا... في ماضينا. إنها تنظر الى الطفل الذي كنّاه، كما تنظر أم الى طفلها”.
ابتسامتك التي شكلت أسطورتك، لم تفعل سوى الصمود، على رغم أنك مررتِ بمحن عدة. أجل، كثيرون حاولوا الانقلاب عليكِ: صرت امرأة بشاربين مع السريالي سلفادور دالي والدادائي مارسيل دوشان، ودخّنت غليوناً مع آخرين، وظهرت في ملامح ستالين تارة ومارلين مونرو طوراً، وأَلبسوك جسد ماو تسي تونغ حيناً وغولدا مائير أحياناً.
لكن بعد هذه المسيرة الطويلة، سنبوح لك بسرّ يؤرّقنا يا منى: ابتسامتك المعلّقة منذ خمسة قرون ــ ابتسامتك التي تبدو كما لو أنها على وشك الانطفاء ــ ما برحت حتى اليوم تثير فينا الدهشة!