بيار أبي صعب
أنا من جيل طالما نظر إلى مجلّة “الآداب” بشيء من التعالي، أو الحذر، أو الحيادية في أفضل الأحوال. صحيح أن الاسم وحده كان يفرض علينا شيئاً من الاحترام، بصفته يختصر رافداً اساسياً من روافد الحركة الأدبية العربية على امتداد عقود. لكننا كنا نشيح بنظرنا عن تلك المطبوعة القديمة، لا يغرينا شكلها ولا قطعها الكبير، ولا تثيرنا نصوصها التي تقصر عن تلبية حاجاتنا والاجابة عن أسئلتنا: نصوص حكمنا عليها بالإعدام لكونها تنتمي الى «ثقافة تقليدية» كنا نمضي الوقت في السعي لتجاوزها (أو ندّعي ذلك على الأقل)، أكان ذلك في الأدب، أم في حياتنا اليومية.
أكثرنا «ليبراليّة»، و«انفتاحاً على الآخر» حسب عبارة صارت لاحقاً على الموضة، كان يكتفي بـ«فلفشتها» وإلقاء نظرة عابرة إلى قائمة محتوياتها، قبل أن ينصرف مع الآخرين الى نوع مختلف من المجلات الثقافيّة والأدبيّة: من “مواقف” الى “الكرمل” التي وصلنا قبل أيّام خبر احتجابها المؤسف. وطبعاً سكننا الحنين إلى مجلّة “شعر” التي لم نعاصرها، وكنا نتخاطف أعدادها القديمة. وحين أعيد طبع المجموعة كاملة، مطلع الثمانينيات، أذكر أننا أقمنا ما يشبه الاحتفال، لكن قلّة بيننا أقدمت على شرائها. ثم انتهت الحرب الأهلية ودار الزمن دورته. كانت “الآداب” قد تغيّرت، وسبقتنا الى حيث نحبّ أن نذهب. انفتحت على جيل جديد لم يجد مكانه الشرعي بعد على الخريطة الثقافية لمدينة تحاول إعادة اختراع راهنها. “الآداب” تستضيف نصوص وليد صادق وربيع مروّة؟ تخصص عدداً للمثلية الجنسية؟ وأعداداً للرقابة في العالم العربي؟ وتصل الى حدّ إغضاب الرقيب المصري، أي تستعيد امتداداتها العربية الغالية على قلب سهيل إدريس!
كان سماح إدريس قد تسلّم ضفّة القيادة، وفياً للإرث القديم ومنقلباً عليه في آن. لنقل إنّه صالح “الآداب” مع زمنها. ثم فهمنا أن رئيس تحرير “الآداب - 2” هو قبل كلّ شيء مثقف في خطوط المواجهة. يجمع هاجس الانحياز للفنون المعاصرة والتجارب البديلة، الى موقف سياسي راديكالي!
ليس من الشياكة في شيء، في أوساط الطليعة الثقافية اليوم في بيروت، أن تكون مناهضاً للعولمة، أو ناشطاً ضدّ الهيمنة الأميركية. لكن سماح ليس على الموضة. إنّه مثقف ملتزم بالمعنى السارتري، أو «مثقف عضوي» إذا جازت استعارة المصطلح الغرامشي الشهير. هذا ما فكرت به وأنا أوقّع العريضة التي حملها إلى مكاتب «الأخبار» ذات يوم من تموز، وكان دويّ القصف يحول دون الثرثرة الزائدة، والتفريط في الكلام.