strong>نزل اليوم الى المكتبات العدد الجديد من «الآداب»، مستعيداً ايام العدوان والمقاومة. هنا زيارة الى سماح إدريس، المثقف/الناشط الذي فتح المجلّة العريقة على اتجاهات فكرية وثقافية وسياسية معاصرة.
حسين بن حمزة

سماح إدريس، رئيس تحرير مجلة “الآداب”، مثقّف ميداني يجمع بين المشاغل النظرية وبين النضال الفعلي على أرض الواقع. إنه يسعى على الدوام الى أداء دور فاعل في الشأن العام، ويدعو سواه من المثقفين إلى أن يحذوا حذوه. انخرط سماح في النشاط السياسي عندما اكتشف أن الناس لا يثقون بالمثقف، ويرونه بعيداً عن الحياة العملية. إنه غالباً مبتدع أفكار، لكنه لا يأخذها إلى ساحة العمل، وهذا يضعف ثقة الناس بالمثقف.
النشاط، في رأي سماح إدريس، هو ترويج للأفكار التي لا تملك قوة في حد ذاتها. وإذا أضفنا إلى ذلك أن الكثير من المثقفين يقولون ما لا يفعلون، سنكتشف الهوة التي تفصلهم عن الناس.
بعد الانتفاضة الثانية وبعد مجزرة جنين تحديداً، أدرك سماح إدريس ومجموعة من أصدقائه أن الطريقة المثلى لدعم القضية الفلسطينية لا تكون بالتظاهر وإصدار البيانات (رغم أهمية ذلك). الناس، كما يقول، يستطيعون دعم الشعب الفلسطيني عبر إضعاف الشريان الاقتصادي للكيان الصهيوني. “لقد اكتشفنا أن كثيرين من دعاة ثقافة المقاومة، بل من المقاتلين والمقاومين أنفسهم، يقاتلون إسرائيل بيد ويساعدونها باليد الأخرى بشرائهم منتجات شركات داعمة لإسرائيل. إننا لا نقاطع الشركات الأميركية فقط لأنها أميركية، بل نركز على الشركات الداعمة لإسرائيل، فهناك شركات غير أميركية وتدعم إسرائيل أكثر من أي شركة أميركية. نحن جزء من حركة اجتماعية لبنانية ولا نقبل أبداً أن نُحسب ـ لأننا نحارب إسرائيل ـ على تيارات أصولية تعادي أميركا عشوائياً”. هذا توضيح يراه إدريس ضرورياً، فهو يؤكد أن لا شيء يقوّي عقيدة بوش المانوية ـ التي هي عقيدة بن لادن أيضاً ـ أكثر من أن يقع الذين يقاومونه في فخ العداء العشوائي لبلد أو جنسية أو دين.
خلال الأسابيع الأخيرة، كان سماح إدريس يقضي نصف الأسبوع في الجنوب ـ ناشطاً في إطار حملة المقاومة المدنية ـ والنصف الآخر في “دار الآداب”، يضع اللمسات الأخيرة على العدد الجديد من المجلة الذي نزل اليوم الى المكتبات، ويضمّ ملفاً كبيراً عن الحرب الأخيرة على لبنان. يشارك في العدد الجديد من “الآداب” كتّاب ومثقفون لبنانيون وعرب وأجانب. ويقول إدريس إن الهدف منه “إعطاء صورة بانورامية عن كيفية تعامل المثقفين مع الحرب، وعن نظرتهم إلى المقاومة. هناك دور أساسي لمنبر مثل “الآداب” في رصد انعكاسات الحرب في وجدان المثقف، وهناك اهتمام ألا يكون الملف مقتصراً على أفكار المثقفين بل يشمل تجارب عملية لمثقفين ناشطين أيضاً”.
لكن هل أصبحت “الآداب” سياسية أكثر في السنوات الأخيرة بعدما آلت رئاسة تحريرها من الروائي والناشر سهيل إدريس الى ابنه؟ يعترف سماح ادريس بأن المجلة باتت أكثر تسيّساً اليوم. ويضيف: “لكن “الآداب” لم تكن يوماً إلا سياسية، فهناك أعداد قديمة عن فلسطين وعبد الناصر وثورة الجزائر. الجديد، ربما، هو أننا نقترب من الحركات الحديثة في المجال السياسي، مثل حركات معارضة العولمة ومقاطعة إسرائيل ومعارضة الهيمنة. العدد الجديد كله سياسة بالمعنى المباشر والفج للكلمة”.
يخاطب إدريس القارئ في مقدمة العدد، طالباً منه ألا يتوهم أنه سيطالع، بالاستناد الى اسم المجلة، قصصاً وأشعاراً ونقداً أدبياً. “لقد خرجنا من الحرب وملابسنا عابقة بغبار الدمار ورائحة اللحم المحروق، لذا فأكثر الصفحات تحمل آثار الحرب والمقاومة”.
يعترف إدريس بأنه تسلّم تركة ثقيلة من والده، وأنه وضع هدفاً أساسياً يتمثل في الاستمرار في نهج “الآداب” وتطويرها في آن. “الاستمرار في خط معيّن وتطويره أمر صعب، لكن مع الوقت تكتشف أن جزءاً أساسياً من عملك كمثقف هو التكرار”. ويستشهد بتشومسكي الذي يقول: إن دور المثقف الأساسي هو التكرار. “إنه قول يستهجنه المثقفون الآن، معتقدين أن الحقيقة جديدة كل يوم. الصهيونية ما زالت قائمة والإمبريالية والقوى الرجعية كذلك. المطلوب أن نذكّر الناس بالأساسيات، وأن نطوّر معرفتنا بها ونجدد أساليب مقاومتنا”.
وعن كون “الآداب” مجلة قديمة لا تجذب الشباب، يقول إدريس إن معظم الشباب الذين يحسبون الآداب قديمة لم يقرأوها في السنوات الأخيرة. كما أن بعض رافضي الآداب “الجديدة” لا يحبون أن يقرأوا، أو يرون أن القراءة نفسها لم تعد نشاطاً حداثياً. ويضيف: “الحداثة، من وجهة نظرهم، مقتصرة على التجهيزات الفنية والتلفزيون والانترنت. معظم الشباب فقدوا ثقتهم بالأفكار، بالعروبة والاشتراكية. أنا لا أدينهم لأنهم ربطوا ـ خطأً ـ بين هذه الأفكار وبين الأنظمة العربية. لكن الخطر يكمن في تبنّيهم لأفكار أخرى من دون أي معاينة نقدية. لا ينبغي أن يستسلم هؤلاء الشباب لغواية العولمة والرأسمالية والليبرالية. كيف ننسى أو نتناسى أن الأب الشرعي للرجعية العربية هو أيضاً الليبرالية المزعومة والدعم الأميركي؟ وأن الأنظمة العربية قامت، ولا تزال قائمة، إما بالدعم الأميركي أو بـ “التطنيش” الأميركي؟ الشباب فقدوا ثقتهم باللغة العربية نفسها... لا بما تطرحه هذه اللغة من أفكار. كلنا نتحمل مسؤولية ما يحدث: عندما يزول حس المرح عندنا، ونستعمل لغة مقعّرة، وعندما نكون متجهّمين وثقيلي الظل، فلا غرابة أن ينفر منا الناس”.
لا يكتفي سماح إدريس بعدد خاص عن المقاومة والحرب، أو بمساهمته المباشرة في حملة المقاومة المدنية، بل يستعد، في الوقت عينه، لعقد مؤتمر ثقافي ضخم سيشارك فيه كتّاب ومثقفون ومطربون وسينمائيون. إدريس الابن يرى أن هناك فرصة حقيقية لبث الحياة في ثقافة المقاومة، لكن بشرط ألّا تكون غوغائية، وألّا نحارب إسرائيل بيد ونكون مؤيّدين لأنظمتنا الاستبدادية باليد الأخرى. أي أن المؤتمر الثقافي الذي يعدّ له رئيس تحرير “الآداب”، لا يتّسع لرموز تتبنى المقاومة لكنّها تبرر الاستبداد العربي!


عدد سياسي والنقاش في «تاء مربوطة» الثلاثاء
حمل ملف العدد عنوان: “أيها المثقف/الناشط: كيف قرأت الحرب على لبنان؟”، واستضاف مساهمات 32 مشاركاً من المثقفين والناشطين اللبنانيين والعرب والأجانب، من بينهم نعوم تشومسكي وطارق علي ومنير شفيق وماري ك. ويلسون وياسين الحاج صالح. وضمّ مقابلات مع ناجين من العدوان، والتقرير الرابع لرئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري سيرج براميرتز، إضافة الى دليل عن أبرز الشركات الداعمة لإسرائيل.
وسيتم الاحتفاء بالعدد الجديد ومناقشته مساء الثلاثاء المقبل بحضور سماح إدريس ومشاركة الناشطة الأميركية كريستين شايد في مقهى “تاء مربوطة” الواقع في منطقة الحمراء.