بغداد ــ سعد هادي

المهتمون بأمور الثقافة في العراق يعيشون على وقع الصدمة التي أحدثتها عملية إحراق الكتب احتجاجاً على استمرار سريان قرار حظر حركة المركبات في بغداد خلال يوم الجمعة، فقد أحرقت الكتب قبل بضعة أيام في شارع المتنبي بإشراف الكُتبي المخضرم عيم الشطري(65 سنة)، وذلك للفت أنظار الجهات الحكومية إلى ان قرارها قد استهدف المثقفين قبل غيرهم وحرمهم من المشاركة في الفعالية الأسبوعية التي تستقطب مئات الكتّاب والشعراء والفنانين والصحافيين وأساتذة الجامعة على اختلاف انتماءاتهم وطوائفهم ومعتقداتهم، وتشكل بديلاً حيوياً لركود الحركة الثقافية وتشتتها.
وتنوّعت ردود الأفعال تجاه عملية الإحراق التي دعا إليها المثقّفون بين الموافقة الكاملة أو الشجب أو اعتبارها مظهراً طبيعياً في ظل ما يجري.
البعض قال إن قرار حظر تجول المركبات فقد مبرراته بعد تطبيقه لما يزيد على أربعة أشهر وإنه يشل الحركة في العاصمة العراقية ويوفر لبعض الميليشيات غطاءً لتنفيذ عملياتها بعيداً عن الأنظار وإن عملية الحرق تأتي للتعبير عن آراء من قاموا بها، فيما لا يبرر آخرون العملية وشبهوها بالارهاب الثقافي من نوع جديد، بينما نظر طرف ثالث الى ما حدث بلامبالاة واعتبره ممارسة متوقعة في زمن الفوضى. وقيل إن ما أحرق هو رزم من الكتب الكاسدة التي لا تعني أحداً.
عملية الإحراق ذكّرت من تابع الخبر بشارع المتنبي الذي كان قبل عام 1932 يسمى شارع الاكمكخانة (المخبز العسكري بالتركية) ولا يزيد طوله على نصف كيلومتر. يتفرع من شارع الرشيد، وهو أقدم شوارع بغداد، ويعتبر مركزاً للثقافة غير الرسمية في العراق، فعلى جانبيه تقع أعرق المكتبات ومحال بيع القرطاسية والمطابع وينتشر على أرصفته باعة الكتب والمجلات المستعملة وباعة الأقراص المدمجة والصور، وفي يوم الجمعة بشكل خاص يتحول الشارع الى ملتقى يؤمّه المثقفون على اختلاف اختصاصاتهم واتجاهاتهم الفكرية بحثاً عن كتاب أو تلبيةً لموعد مع صديق أو للمشاركة في حوار ثقافي أو للتجول والمشاهدة. ويزدحم الشارع في ساعات الصباح والظهيرة بالآلاف من القادمين في ما يشبه مهرجاناً أسبوعياً مفتوحاً يتسع للجميع، بل إن المحاولة التي أقدم عليها بعض باعة الكتب بعد الاحتلال حين أصدروا قوائم سوداء بأسماء من وصفوهم بأدباء السلطة تمنعهم من الدخول الى الشارع وتحرم التعامل معهم، انتهت قبل أن تبدأ ولم يُنظر إليها بجدية.
بعد تطبيق قرار الحظر صار شارع المتنبي أشبه بممر للأشباح. عملية إحراق الكتب كانت تهدف إلى قتل هذه الصورة المميتة للشارع. ولكن “الذين قاموا بعملية حرق الكتب لم يكونوا واقعيين في طريقة احتجاجهم” حسب رأي مثقفين عراقيين “كأن المسألة تعنيهم وحدهم وأن الحكومة استهدفتهم دون غيرهم”.
ويرى مؤيدو عملية الحرق أنها احتجاج من المثقفين على ما يجري وتعبير عن يأسهم مذكرين بأبي حيان التوحيدي الذي أحرق كتبه قبل ألف سنة ليعبر عن يأسه وعدم قدرته على مواجهة مصاعب الحياة، واذا كانت محاولة التوحيدي قد جاءت احتجاجاً فردياً فإن محاولتهم التي تمّت في غياب الكثير من ممثلي وسائل الإعلام نبّهت الى ان الجميع في عراق اليوم قد تحولوا الى مذنبين ينبغي عقابهم.