strong>على هامش «أيام بيروت السينمائية»، عرض الأكاديمي اللبناني ــ الأميركي بسّام حداد فيلماً بعنوان “إرهاب الدولة”، هو جزء من ثلاثية تناقش نظرة الغرب إلى العرب، وكيفية تعامل الإعلام الأميركي مع الإرهاب.

مهى زراقط

تقدّم الطفل نيكولا، بعد تشجيع والدته، من الدكتور بسام حدّاد وسأله بخجل: «لماذا سمحت لذلك الرجل بأن يحكي بالسوء عن حزب الله؟ لماذا وضعته في الفيلم؟». شرح حداد بجدية للطفل: «لأنه عندما يكون الحق معك، عليك ألا تخاف ممّا يقوله الآخرون عنك، اسمعهم وناقشهم لكي تقنعهم بوجهة نظرك، وبأنّك على حق».
انطلاقاً مما قاله بسام حدّاد لهذا الطفل الحاضر في مسرح “دوّار الشمس” في الطيونة يوم السبت الماضي، قدم الأكاديمي اللبناني ــ الأميركي مشروعه مع 17 أميركياً، معظمهم من أصل عربي، لتفنيد مصطلح الإرهاب الذي انتشر في الغرب، بتأثيره الإعلام، بوصفه “هوية تدل على العربي و/ أو المسلم، وليس فعلاً يمكن أن يقوم به أي فرد في العالم”. وأنجز ثلاثة أفلام مدة كل منها 45 دقيقة تناقش “العرب والإرهاب” و “إرهاب الدولة” والإرهاب والمقاومة.
زار فريق عمل الفيلم خلال سنتين حوالى 11 دولة معنية بمسألة “الإرهاب”، بينها لبنان وفلسطين وإسبانيا ومصر... وبلغت تكلفة المشروع 380 ألف دولار اميركي لا يزال أكثر من نصفها بمثابة دين، “لأننا لم نعتمد على أي تمويل خارجي من أجل المحافظة على الموضوعية والصدقية”.
لكن الجمهور لم يشاهد في مسرح “دوّار الشمس” في منطقة الطيونة إلا فيلم “إرهاب الدولة”. يحاول العمل تعريف كلمة إرهاب من أكاديميين وسياسيين ومسؤولي أحزاب ومؤسسات أبحاث في الشرق والغرب. وربما كان لافتاً ذلك النقاش غير المباشر الذي أداره حدّاد بين نوّاف الموسوي، مسؤول العلاقات الخارجية في “حزب الله”، وثلاثة من الأكاديميين الأميركيين العاملين في منظمة الأمم المتحدة. يستدعي النقاش الذي تضمنه الشريط، رحلات متعدّدة بين لبنان وواشنطن، كان ينقل خلالها الردود المتبادلة بين الطرفين. ووصل الأمر في النهاية إلى رفع الكلفة بين (نواف) و (إدي) من دون أن يتوصلا إلى اتفاق على أن مجزرة صبرا وشاتيلا هي عمل إرهابي كما هجمات الحادي عشر من أيلول.
وسبقت العرض محاضرة قصيرة لحداد، أشار فيها إلى أن فكرة الفيلم انطلقت مع الحملة الإعلامية التي سبقت الحرب الأميركية على العراق، واستمرّت أكثر من ستة أشهر. وأوضح أن الحملة التي شنتها وسائل الإعلام الأميركية أقنعت من 70 إلى 80 في المئة من الأميركيين بأن للرئيس العراقي صدام حسين علاقة أكيدة بهجمات 11 أيلول وأن العراق يملك أسلحة دمار شامل. وأكد حداد أن المتطرفين اليمينيين في أميركا ليسوا الوحيدين الذين يقدمون هذا الخطاب الإعلامي، بل إن الوسط الأميركي الذي يعدّ نفسه ليبيرالياً يقدمه لمشاهديه، وبتأثير أكبر (مثل “سي.أن.أن”، “نيويورك تايمز”، “واشنطن بوست” وليس فقط “فوكس نيوز” و “واشنطن تايمز”).
لذا، لا يزال حدّاد يجد صعوبة في تسويق فيلمه (بأجزائه الثلاثة)، وعرضه على محطات تلفزيونية أميركية: “لم ترض المحطات التلفزيونية الأميركية التي عرضتُ عليها الفيلم، ببثه لأنني أقمت توازناً في تصريحات هذا الطرف وذاك، وهو ما لا يتناسب مع السياسة الأميركية، كما قال لي أحد المسؤولين في محطة يمكن وصف خطابها بالمعتدل”. لكنه استطاع عرضه على محطتي (العربية) و (أم بي سي)، وفي أوقات تبلغ فيها نسبة المشاهدة ذروتها.
وهنا يلاحظ حدّاد الفرق بين المشاهد العربي والمشاهد الأميركي: “في العروض الستة للفيلم التي قدمت في ولايات أميركية، كان الأميركي يشهق دائماً عندما يستمع إلى الرأي الآخر الذي لا يراه في وسائل الإعلام المحلية. وكان بعضهم ينتقد ما يسميه انحيازاً، كالسؤال مثلاً عن سبب عدم وجود تصاريح لشخصيات مثل بن لادن في الفيلم. أما العرب فيعرفون أكثر عن الأميركيين، ولو كانت لديهم صورة منمطة، لكنها أخف وطأة من صورة الأميركي عن العربي”.
حدّاد يحضّر سلسلة عروض لفيلمه في دول عدة بينها الولايات المتحدة. ويؤكد أن أحد أهم أهداف عمله التأكيد على العلاقة بين إرهاب الدولة وإرهاب الفرد، أو كما قالت الكاتبة نوال السعداوي في الفيلم : “إن أكبر عملية تمويه تحصل اليوم في العالم هي تصوير الإرهاب الذي تمارسه الدولتان الأميركية والإسرائيلية على أنه عملية سلام”.