على رغم الثراء الشعري الفريد والمتعدد لجيل الستينيات في العراق، لم يحظَ شعراؤه حتى اليوم بدراسات نقدية شاملة وحيادية ومنصفة، في حجم الاضافات التي جاؤوا بها إلى الشعر العراقي خاصةً، وإلى مشهد الشعر العربي عموماً.وإذا كان التقاعس النقدي عن مواكبة التجارب الشعرية بات سمةً اعتيادية في الثقافة العربية، فإنه، في تجربة ستينيات الشعر العراقي، يكاد يتحول فضيحةً. ففي ظل غياب جهد نقدي حقيقي وشامل، اضطر ــ أو تحمّس ــ بعض شعراء هذا الجيل نفسه إلى تناول هذه التجربة من وجهة نظر خاصة، وأحياناً أنانيةهكذا، وبدلاً من أن نقرأ نقداً حقيقياً، رحنا نطالع شهادات وآراء مفرطة في الذاتية والشخصانية. وبالفعل، حاول كل واحد من هؤلاء الشعراء أن يزيد من حضوره وحضور بعض الأسماء على حساب حضور أسماء أخرى من الجيل نفسه. وقد بدأ ذلك بكتاب “انفرادات الشعر العراقي” (1993) للشاعر عبد القادر الجنابي، ثم كتاب “الموجة الصاخبة” (1994) للشاعر سامي مهدي، ثم كتاب “الروح الحية” (1997) للشاعر فاضل العزاوي، وأخيراً كتاب “تهافت الستينيين” للشاعر فوزي كريم. والثلاثة الأخيرون كانوا قد وقّعوا البيان الشعري الشهير لهذا الجيل عام 1969.
ويتضح من تقارب تواريخ صدور هذه الكتب، ومن مضمونها طبعاً، أن تصفية الحسابات بين أبناء هذا الجيل، هي من الدوافع الأساسية لكتابتها. وقد دار على صفحاتها حوار ساخن، مباشر أو موارب، بين بعض أبرز رموز تلك المرحلة.
لا شك في أن جيل الستينيات العراقي حقق إنجازات كبيرة على صعيد اللغة والنظرة إلى العالم والتجريب الشعري. وهي منجزات يمكن رؤيتها ووضعها في سياقها الصحيح الذي تستحقه على رغم المعارك والتصفيات التي “تورط” فيها معظم ممثلي هذا الجيل... فالغبار الذي تثيره شهادات هؤلاء لن تمنع القارئ من تحسس أهمية شعراء مثل سركون بولص، وفاضل العزاوي، وسامي مهدي، وحسب الشيخ جعفر، وفوزي كريم، وصلاح فائق، ومؤيد الراوي، وعبد الرحمن طهمازي، وجان دمو، والقائمة تطول.
حسين...