عمّّان ــ موسى برهومة
صدفة غريبة أن تزيّن لوحة للتشكيلي الفلسطيني الراحل اسماعيل شموط غلاف العدد الأخير من مجلة “الكرمل” الثقافية الفصلية التي يرأس تحريرها الشاعر محمود درويش، إذ إن “لعنة الغياب” تهدد المجلة نفسها التي تعاني أوضاعاً مالية صعبة قد تجعل عددها الـ 88/89 صيف وخريف 2006 آخر أعدادها.
يستدعي المصير المحدق بهذه المجلة الطليعية التي جمعت كبار الكتاب العرب، أسئلة كثيرة عن نضوب الدعم المالي الذي ظلت تحظى به المجلة منذ زهاء ربع قرن، ولا سيما أن رئيس تحريرها اتخذها منبراً ثقافياً يصعب التفريط به وإعلان وفاته. واليوم يصعب على القارئ الذي كان يتحيّن فرصة صدور “الكرمل”، أن يقبل بفكرة احتجابها النهائي، إذا لم تنجح المساعي لإبقائها على قيد الحياة. ما ينذر بأن يكون العدد الأخير أخيراً بمعنى التوقف، أو بمعنى إصدار عدد لاحق تعلن فيه “الكرمل” نبأ وفاتها رسمياً.
يحاول محمود درويش جاهداً أن يؤجل الاعتراف بالمصير المأساوي الذي يتربص بمجلته. ربّما لأنه ما زال يأمل توفير دعم جديد، يمنح مشروعه فرصة الاستمرار، كي يواصل الإسهام في دوره الإبداعي والسجالي والتحليلي للحركة الثقافية الفلسطينية والعربية والعالمية. ويتساءل بعض العارفين: لماذا لا ترعى مؤسسات أجنبية مستقلة مجلة “الكرمل”، مثل مؤسسة “برنس كلاوس” الهولندية التي قبل درويش جائزتها الكبرى العام الماضي؟
العدد الأخير (نتمنى ألا يكون آخراً) يفتتحه محمود درويش بيومياته التي كتبها في رام الله في تموز من العام الجاري، ويستعرض فيها بمزيج من الشعر والنثر وقائع سياسية وحالات أخرى نفسية وذاتية تعكس تساؤلات وجودية حائرة وحارقة في الآن عينه.
ويشتمل العدد على فصل من رواية جديدة للروائي اللبناني الياس خوري بعنوان “كأنها نائمة”. ويستحضر الناقد السوري صبحي حديدي الشاعر الراحل محمد الماغوط، في نص قراءة بعنوان “وسيط النثر، أداء الشاعر وجدل القصيدة”. فيما يكتب فيصل دراج عن “حداثة الفكر بين سبينوزا وديكارت”، ويعاين فرانكو موريتي من ترجمة ثائر ديب “ديالكتيك الخوف”.
وعن “الشعراء والزمن” يكتب عبد الوهاب المسيري، بينما يكتب عن التشكيلي الفلسطيني الراحل إسماعيل شموط كل من خالد حوراني وسليمان منصور. ويكتب عن رحيل السياسي الفلسطيني ممدوح نوفل كل من غسان زقطان وحسن البطل. وفي العدد قصائد وقصص وكتابات لعلي جعفر العلاق وليانة بدر وفؤاد التكرلي وجميل حمداوي ومحمود الريماوي وعبد القادر ياسين ونجمة حبيب، إضافة إلى أشعار لتشارلز سيميك ترجمها تحسين الخطيب.
“الكرمل” التي تأسست عام 1981، شكّلت منبراً للإبداع الفكري المتنوع، وتميّزت بنشر مقالات ودراسات ومختارات مرجعية، إلى جانب القصة والرواية والشعر طبعاً. وقد كانت مسيرتها جزءاً من التحولات الكبرى التي عصفت بالعالم العربي. وبعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان، خرجت المجلة من بيروت، وانقطعت عن الصدور بين 1982 و1983 تاريخ عودتها إلى الصدور من قبرص... قبل أن ينتقل مركزها أخيراً الى رام الله في فلسطين (1996).