محمد خير
تجمهر الأهالي في ساحة القرية، ألقوا نظرة أخيرة على بيوتهم الملونة ورحلوا. بعد أيام، اندفعت مياه النيل لتجتاح البيوت والذكريات في قرية الدر النوبية التي اختفت إلى الأبد ثمناً لمشروع السد العالي.
بين الأهالي المهجّرين كان أبو يزيد جبريل يمسك بيد طفله الصغير. من عادات أهل النوبة أن يسمّوا أطفالهم سمر الوجوه أسماءً تشير الى الضوء مثل ضوّ ونور. هنا لم يختلف الوضع... فالطفل اسمه منير.
مشاركة محمد منير في فيلم “دنيا” لجوسلين صعب تمثل دوره السينمائي الرقم 12. لم يعتبر النقاد منير ممثلاً متميزاً ولا يشكل التمثيل أصلاً بالنسبة إليه أكثر من هواية أسفرت عن أعمال أهمها “حدوتة مصرية” (1982)، “الطوق والإسورة” (1987) و“المصير” (1997)، ومسلسلان تلفزيونيان “جمهورية زفتى” (1999) و“علي عليوة” (2001). أما في الغناء فمحمد منير هو الملك بلا منازع كما يطيب لعشاقه تسميته.
في أوائل سبعينيات القرن المنصرم، لفت محمد منير (المولود في تشرين الأول 1954) الأنظار أثناء غنائه في حفلات الجامعة. كان بين الحاضرين مرةً شيوعي نوبي هو زكي مراد. أُعجب بصوته، فاصطحبه إلى صديقيه الملحن النوبي أحمد منيب والشاعر عبد الرحيم منصور. سنوات قلّة وخرج إلى النور أول ألبومات منير “علموني عينيكي” (1977)، مدشناً مشواراً أثمر 23 ألبوماً حتى الآن آخرهم “إمبارح كان عمري عشرين” (2005).
من فؤاد حداد في “الليلة يا سمرة” إلى صلاح جاهين حيث البنت “أم المريلة كحلي”، ومن الأبنودي في “كل الحاجات بتفكرني” إلى أحمد فؤاد نجم في “يا اسكندرية”، لم يترك منير شاعراً مصرياً كبيراً إلا وغنّى من كلماته من دون أن يتجاهل الشعراء الشبان. هكذا، اكتشف كوثر مصطفى مع “شد لحاف الشتا م البرد” ثم “علّي صوتك بالغنا”، غازلاً خيطاً امتد من موسيقى أحمد منيب الخماسية النوبية إلى الشرقي مع بليغ حمدي مروراً بالتأثير الغربي مع هاني شنودة. تناول منير كل المواضيع... ناشد “عروسة النيل” وحيّا الانتفاضة في “يالعمّارة العمّارة” وتوحد مع الجنوب اللبناني في “أتوضى بصهدك يا جنوب” وحنّ للنوبة في “سيّا سيّا”... دندن الفولكلور في “نعناع الجنينة” (“في عشق البنات... أنا فقت نابليون”)، وراح يهجو السلطان في “الملك هو الملك”. مئات الأغنيات والأفكار في ألبومات “شبابيك” و“اتكلمي” و“بريء” و“شوكولاتة” و“وسط الدايرة”، وغيرها من الأعمال التي صنعت لمنير مكانة بارزة في الغناء المصري المعاصر.