فيها شيء من جانيس جوبلين، في شكلها وسلوكها ونزقها وبصمات الروك التي التصقت يمسيرتها. لكنّها أيضاً وقبل كل شيء ـــ كما تحلم نفسها باستمرار ـــ أميرة شرقية وشاعرة وممثلة ومناضلة لا تتعب على كل الجبهات: العنصرية، الذكوريّة، حقوق الإنسان، قضايا المرأة و... القضية الفلسطينية. تلك هي سافو التي تزور بيروت لتحيي أمسيتين غنائيتين في المركز الثقافي الفرنسي (31 أيلول وأول تشرين الأول). يلاحقها طيف ليو فيري أحد كبار الأغنية الفرنسية في القرن العشرينسافو تغني ليو فيري؟ منذ خريف 2005 هذا غرامها الجديد... جالت به العالم وصولاً الى الاسكندرية. ألبسته حلّة فلامنكو (يرافقها على الغيتار فينشينتي ألماراز). هذه المرأة التي تغرد خارج سربها وجيلها في فرنسا لم تترك درباً إلا ارتادتها: من طوكيو الى مونتريال، من نيويورك الى لندن... مروراً بمراكش والدار البيضاء أرض الجذور البعيدة، وصولاً الى بغداد (2002)، والناصرة والقدس في فلسطين أرض اليوتوبيا ومسرح التمزقات. الفنانة الفرنسية المولودة في أسرة يهودية مغربية، غير قابلة للتصنيف، لا إبداعياً ولا ثقافياً. إنها “مغنية من العالم” كما تحب أن تصف نفسها. بدأت ممثلة في محترف المعلم أنطوان فيتاز، كتبت شعراً ورواية (“كذبة” عن منشورات “بالان”، 1990). صورت فيلماً عن أطفال الانتفاضة بعنوان “خطاب الى البحر”، لم يجد طبعاً من يوزعه. وعندما قام ياسر عرفات بزيارته التاريخية الى باريس (1989) قبلته على مرأى من الكاميرات: ولبست الكوفية وأهدته قصيدة، فانهالت عليها اللعنات. والمغنية المشاكسة التي تربطها صلات سرية بفريق الـ “دورز”، انتقلت من غناء الروك “ممر الجحيم” (1982) و”بربريّة” (1983) و”لوعة” (1985)... الى عشق الشرق وموسيقاه. كانت دائماً تقف على الأرض الصلبة التي أنبتت باربارا وليو فيري، أرض الأغنية الفرنسية حيث للشعر مكان الصدارة، عاقدة في الآن نفسه صلات “مشبوهة” بالمرجع الانكلوساكسوني المتمثل في روح الروك الصرفة... وها هي ترنو الى أم كلثوم التي تجرأت على بعض أغنياتها منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وحملتها على دروب ترحالها الدائم إلى الخشبات الفرنسية والعالمية.
قدمت سافو في “الأطلال” قراءة خاصة جداً، ذاتية وغريبة، لكوكب الشرق. غنت “الأطلال” في القدس كنوع من التحدي. غنتها في كل مكان... كما غنّت في الثمانينيات قصائد لمحمود درويش بالعربية والفرنسية.
ثم أبحرت سافو مجدداً في اتجاه موسيقى الكناوى المغاربيّة، موسيقى العبيد الساعين الى النشوة الصوفية و“الشطح” والتوحد بالأعظم. وذهبت الى المغرب ـــ بلادها المستعادة ـــ تلملم تراث “الشيخات”. اختلطت بهنّ، ولامست غناءهنّ الشعبي، الماجن والخليع أحياناً. سجلت أصواتهنّ وأغنياتهنّ، ولم تلبث أن مزجتها بموسيقى التكنو والهاوس في “ديجيتال شيخة” هذا العمل المفاجئ والبعيد كل البعد عن التقليديّة... لكن منذ متى كانت سافو تقف في خندق التقليديّة؟
في أسطوانتها “عبور الرغبة” (1991)، عادت سافو الى النصوص، الى الشعر، لتغني بالعربية والفرنسية والإنكليزية. كانت دائماً صديقة الشعراء. لا شك في أن جمهور بيت الشعر الفرنسي، يذكر كيف قدمت عام 2000 نصوص لوركا وريلكه وبودلير وهنري ميشو. ويذكر آخرون كيف قدمت نص إيف انسلر الاستفزازي والشاعري “مونولوغ مهبل”.
سافو بعد أيام في بيروت، لتقديم فرلين وأراغون وريمبو وبودلير بألحان ليو فيري. ليستعد محبّو الفوضوي الجميل الذي رحل صيف 1994 في عيد الثورة الفرنسية. لإعادة اكتشاف “مع الزمن”، وهي واحدة من أشهر أغنياته (Avec le temps)، كما تؤديها سافو بالعربية... على أنغام الفلامنكو.
بيار...