بيار أبي صعب
لعلّها أغرب الهدايا التي يمكن تقديمها الى موزار في عيد ميلاده الـ250: أن يجد نفسه من ضحايا حريّة التعبير في برلين 2006... باسم العرب والمسلمين! قراءة المخرج وقائد الأوركسترا هانز نوينفيلز لأوبرا موزار «إيدومينيو» أقامت الدنيا ولم تقعدها. انفجرت الفضيحة مطلع الأسبوع عندما قررت كيرستن هارمس، مديرة «دوتش أوبير» في العاصمة الألمانية، سحب العمل من البرمجة، بناءً على توصية أمنية، «مخافة أن يجرح شعور المسلمين».
ولفغانغ أماديوس كان ينظر الى الشرق بشيء من الافتتان البعيد الذي تجلّى في أوبرا «اختطاف في جناح الحريم». وحين قدّم المخرج الفلسطيني فرنسوا أبو سالم هذا العمل الأوبرالي في سالزبورغ، ردّ للعبقري الشقي غمزته، فأدخل الى العمل آلات وشخصيات فلسطينية، من القرن العشرين. وقد استقبل النقد مبادرته الانقلابية بحفاوة بالغة. ما يقوم به هانز نوينفيلز في أوبرا أخرى لموزار، لا يختلف كثيراً عن ذلك. الاخراج يقوم على الاجتهاد في القراءة والتأويل من دون المساس بجوهر العمل. لكن حظ نوينفيلز سيئ، وهو يدفع اليوم ثمناً لجرم لم يرتكبه. إنه ضحية الأزمنة المتشنجة، شهيد جديد من شهداء «الصدام الحضاري».
المشهد مثار الجدل يصوّر إيدومينيو، ملك جزيرة كريت، في لحظة غضب على إله البحار بوسيدون الذي أنقذه من العاصفة، وسيضطر إلى نحر وحيده نذراً له. المخرج أراد لبطله أن يكون معاصراً، فأدخل الى المشهد وجوه الرسول وعيسى الناصري وبوذا. وهذا كل شيء. ليس في العمل أي تدنيس للمقدسات، أو تحريض عنصري أو تعالٍ حضاري. تلك الآفات البشعة نقع عليها ـــ بالمقابل ـــ في رسوم الكاريكاتور الدنماركية التي تحمل إساءة متعمدة، علماً بأن ذلك لا يبرر ضخامة ردود الفعل. الصحيفة التي نشرت رسوم الكاريكاتور معروفة بميولها المتطرفة، وكانت قد رفضت رسوماً مشابهة تتناول المسيح «لأن قراءها لا يستسيغون ذلك». أما أوبرا موزار حسب رؤية نوينفيلز، فعمل فني بحت، متعال عن التجريح، يحمل رؤيا فلسفية. قدم للمرّة الأولى قبل 3 سنوات ومن حينها لم يثر أي اعتراض...
«التروما» الغربية من «الرعب الاسلامي» (وهو ليس سوى قهر سياسي يشارك الغرب في تحمل مسؤوليته)، هل بلغت هذا الحدّ، كي تدفع بمؤسسات عريقة الى الإخلال بأبسط المبادئ في مجتمع ديموقراطي كألمانيا؟ إلى أي مدى يمكن أن نقبل نحن بهذه العلاقة: أن «يحترمنا» الغرب خوفاً من «عنفنا»؟ وما هو دورنا في الدفاع عن حرية الآخرين، والتعامل مع العمل الفني كفضاء من المجاز والخيال والابتكار، من صلب طبيعته أن يتجاوز الواقع ويتمرّد عليه؟