بغداد ــ الأخبار
النخلة توأم العراقيين وأبجديتهم الأولى، تزهو بها مدن العراق، ولا سيما الجنوبية منها، تُعَدّ البصرة أكثر مدن العراق ارتباطاً بها، وتكاد تُجمع المصادر التاريخية على أن البصرة هي موطن النخل الأول في العراق، وقد قال عنها الخليفة هارون الرشيد: “نظرنا.. فإذا كل ذهب وفضة على وجه الأرض لا يبلغ ثمن نخل البصرة”.
من يقطع المسافة من منطقة ميناء أبي فلوس جنوب أبي الخصيب إلى منطقة الفاو الجنوبية على الخليج، يكتشف هول ما عانته النخلة فأجسادها متفحّمة ورؤوسها مجزوزة.
معاناة نخيل العراق ويلات الحروب على مرّ العقود الماضية تتجلّى في التراجع الحاد في أعداده. وقال الدكتور عباس هادي من مركز بحوث النخيل في جامعة البصرة: “كان في العراق في بداية الثمانينيات أكثر من 30 مليون شجرة نخيل، بقي منها الآن 13 مليون شجرة، وارتفعت في مدينة البصرة وحدها أكثر من تسعة ملايين نخلة، ولكن العدد انخفض حالياً إلى 2.7 مليون نخلة بسبب الحروب والإهمال، إضافة إلى تجفيف الأهوار في جنوب العراق وارتفاع نسبة الملوحة في الماء وانتشار الأمراض كحشرة الدوباس”.
كان العراق يصدّر 500 ألف طن سنوياً من 624 نوعاً هي أجود أنواع التمور في العالم، توقّف منذ عام 1980 عن تصدير تموره إلى الخارج بسبب ضعف الانتاج.
وحسب المتخصصين فإن العراق سيحتاج إلى عشر سنوات لتعويض ما فقده من أشجار النخيل، ويذكّرون بأنه جرى تحويل مساحات غابات النخيل الى معسكرات للجنود أو ساحات للقتال.
وأوضح مهدي “أن تجارب لإكثار النخيل بزراعة الأنسجة، تتم من خلال تشريح شجر النخيل واستخراج البرعم الطرفي منها وزراعته في وسط زجاجي مجهّز بالعناصر الغذائية والهرمونات، وبعد أن تنمو كتل من الخلايا على حواف الأوراق تفصل هذه الخلايا وتزرع في وسط غذائي جديد لإكثارها”.
انخفاض عدد أشجار النخيل يشغل المتخصصين وأهالي البصرة الذين يردّدون أن موسم جني التمر كان توقيتاً لانتهاء معاناة العراقيين، ورحيل الضنك والعوز.
وقالت الحاجة بهية وهي مزارعة من منطقة أبي الخصيب “كنا نعد الساعات والأيام لقدوم موسم الرطب، ونلوذ بالصبر ولسان حالنا يردد أهزوجة تعني ان المرأة لن تبيع حليها لسدّ عوزها ما دام الرطب يلوح في أعالي النخيل”.
موسم جني الرطب مليء بالحكايات، الحاجة بهية تروي أن “طواشات”، أي نساء من مناطق عراقية مختلفة، كن يأتين إلى البصرة للمشاركة في القطاف، فتشتعل الغيرة في صدور النساء خوفاً من تأثير الأجمل على الرجال. لكن هذه “المنافسات” لم تبدد أوقات السعادة التي كان الفلاحون يشعرون بها في “مواسم الخير”.
وقال العم عبد العزيز، زوج الحاجة بهية، “لم نكن لنبحث عن وظيفة لدى الحكومة، كانت الزراعة مهنتنا، وهي نسغ حياتنا وموفية ديوننا وكاسية عرياننا”.