عمّان ــ محمد فرحانقررت الدراما الأردنية دخول «حرب رمضان» من
بابها الواسع، وبإنتاجات ضخمة. تسلّحت بالتاريخ، وتناولت الإسلام والإرهاب وحياة البدو. فهل تربح رهانها هذا الموسم؟

تحقق الدراما الأردنية (والأعمال ذات الإنتاج الأردني) حضوراً لافتاً على الشاشات العربية في دورة رمضان. ونجحت المسلسلات التي أنتجها “المركز العربي للخدمات السمعية والبصرية”، في استقطاب المحطات الفضائية من جهة، والصحافيين من جهة ثانية، وخصوصاً في ما يتعلق بالمواضيع الشائكة أو المثيرة للجدل التي أرادت تقديمها هذا الموسم. وسجلت الدراما المحلية نقلة نوعية عندما أعادت إلى الضوء الحياة البدوية التي نجحت في استقطاب أكثر من شاشة عربيةحظيت الأعمال التي ارتكزت مرة جديدة على التاريخ بسخاء إنتاجي أتاح لمخرجيها هامشاً أوسع من حرية التعبير الدرامي، غير المكبّل بعائق شحّ الإمكانات الذي كان العنوان الأبرز لمعظم المشاريع الفنية والمهرجانات والاحتفالات المحلية.
يأتي في مقدم هذه المسلسلات، “دعاة على أبواب جهنم” الذي توقع كثيرون أن يثير الضجة التي أثارها سلفه “الطريق إلى كابول”. على مدار ثلاثين حلقة، يضع المسلسل مشاهديه، وجهاً لوجه، مع “الجماعات الإرهابية ودعواتها الزائفة”. وهي خطوة لم يكتب لها النجاح يوم عرض “الطريق إلى كابول”، وأوقف بثّه بسبب معارضة بعض الهيئات السياسية والدينية تناول موضوع التطرف الديني. لكن صنّاع المسلسل أرادوا من جديد المراهنة على “العمل الأكثر جرأة في تحليل ظاهرة الإرهاب”. الكاتب عادل الجابري، والمخرجان إياد الخزور ورضوان شاهين، ومنتجه طلال العواملة أكدوا أن عملهم يستند إلى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة من جهة، والواقع في تحليل أبعاد الظاهرة اجتماعياً ودينياً وسياسياً من جهة ثانية.
تتنقّل الكاميرا بين لندن وعمان والسعودية وأفغانستان وموسكو لتتوغل في نشاطات الجماعات التكفيرية، مسلطةً الضوء على طريقة تفكيرها وسلوكها. تحاول الحبكة الدرامية أن تجيب عن أسئلة رئيسة توضح خلفية ظاهرة الإرهاب، وبداية ظهور الإرهابيين: من هم؟ ومن أين جاؤوا؟ ومن يقف خلفهم؟ وهل لديهم أي طموح يتعلق بسلطة سياسية، أو سيطرة اقتصادية أو دينية؟
ويرصد العمل عالم التنظيمات الإرهابية، في مجموعة متنوعة من الأماكن. ويرصد مواقع التجنيد، والكيفية التي يُستغل فيها أعضاء هذه التنظيمات في مكتبات المساجد والمدارس. هذا بالإضافة إلى استغلال الكتب والمناهج المدرسية من أجل تكريس الأفكار التقليدية المتشددة التي تسهم في تحويل الناشئة إلى شخصيات مسلوبة الإرادة. إلا أن القصة التي تعرض على قناة “أبو ظبي” عند الـ 12 ونصف ظهراً، وعلى القناة الأردنية عند الواحدة فجراً، لم تحدث أي ضجة حتى اليوم. فهل بات المشاهد قادراً على تقبل الرسالة التي يناقشها العمل؟
تحدٍ ثانٍ أطلقته الدراما الأردنية مع “الأمين والمأمون”. ينقل المسلسل مشاهديه إلى آخر ما بقي من العمارة الإسلامية من العهد العباسي الأول. وصُوّر عدد كبير من المشاهد في جمهورية أوزبكستان التي تضم مجموعة من المدن التاريخية ذات الحضور البارز في العصور الأولى الزاهرة للدولة الإسلامية، بالإضافة إلى لبنان وسوريا والأردن.
تعتبر الفترة التاريخية التي يتناولها العمل “ذروة العصر العباسي الأول الزاهر”، وغنية بتفاصيلها السياسية عبر مفارقات جمعتها شخصية الخليفة الأشهر هارون الرشيد، ووضعت ابنيه “الأمين” و“المأمون” في صراع تعددت معانيه، واختلفت أسبابه، وحمل سمات ذلك العصر. إلى جانب السرد التاريخي المشوق، يبرز الخط الدرامي الذي يقدم قصة الحب التي جمعت وزير الرشيد “أبو جعفر البرمكي” و“العباسة”، شقيقته الأثيرة والشاعرة.
تبدأ القصة بخلافة الرشيد ومأساة البرامكة لتنتقل إلى ولاة عهد الرشيد (الأمين والمأمون) وصراعهما على الخلافة العباسية. ويحاول العمل أن يقدم الأبعاد السياسية والفكرية للصراع.
ووسط الحديث عن “استثمار سِيَر شخصيات من التاريخ الإسلامي من أجل مكاسب مادية في ظل الهجمة التي يتعرض لها الإسلام ورموزه”، والجدل الذي بدأ يثيره “خالد بن الوليد”، هل يكتب لـ“الأمين والمأمون” النجاح. يعرض المسلسل عند الثالثة ظهراً على قناة “إم بي سي” والسادسة والنصف مساءً على شاشة “الصفوة”.
أخيراً، عادت الدراما البدوية إلى الشاشة الصغيرة هذه السنة، بعد غياب طويل، من خلال مسلسل “راس غليص” الذي يستند إلى واحدة من أشهر “حواديت” تراث البادية. والقصة التي اعتمدت لدى إنتاج النسخة الأولى منها عام 1976، عبارة عن رواية مسجلة على شريط كاسيت تعود الى جدة الفنان الأردني نبيل المشيني. وأضحى المسلسل الذي عُرض في أواسط السبعينيات من القرن الماضي، أحد أهم الأعمال التأسيسية لشكل درامي جديد أخذ اسم “الدراما البدوية”.
إلا أن الدراما البدوية، نفسها، تراجعت منذ النصف الثاني من الثمانينيات، ووقعت أسيرة التناول السهل غير المكلف، ما أدى إلى تراجع حضورها على الساحة الفنية، وغيابها عن الشاشة العربية، ولا سيما في الفترة التي توجهت فيها الدراما التلفزيونية العربية نحو أساليب الإنتاج الضخم، مركّزةً على الفنتازيا التاريخية. يعرض العمل على الفضائية الأردنية عند الثالثة عصراً، وعلى قناة “الراي” عند الساعة 11:30 ليلاً، وعلى قناة قطر عند التاسعة والربع مساء. فهل يؤدي نجاحه إلى عودة حياة البدو إلى دائرة الضوء؟