حسين بن حمزة
قد يسهل على مغنية أو ممثل أو مخرج أن يحلّ ضيفاً على برنامج تلفزيوني. لكن المسألة تبدو أصعب عندما يكون الضيف كاتباً أو مثقفاً أو مفكراً. ومع أن الشاشة الصغيرة اعتادت إطلالات المثقفين، فهذا لا يعني أبداً أنها تعرف كيف تحبّهم، وكيف تعطيهم حقهم. فالمثقفون، حسب اللعبة التلفزيونية، متجهمون وجادون ويفتقدون «الجاذبية» المطلوبة.
وهناك تعارض جوهري بين حضور هؤلاء وجوهر خطابهم وطبيعة أدواتهم، وبين الكاميرا التي تبحث غالباً عن الخفة وتفضل الإيقاع السريع، وتميل بطبيعتها الى السطحية والسهولة. هل هذا ما يبرّر ندرة البرامج الثقافية الجادةنستعيد تلك العلاقة الشائكة بين المثقف والشاشة، ونحن على موعد هذا المساء مع ضيف بحجم المفكّر والمؤرخ أحمد بيضون، في حلقة الليلة من برنامج «روافد» على قناة «العربية» (يليها جزء ثان الجمعة المقبلة). أحمد بيضون كاتب له عبارته الخاصة، ربّاها على امتداد سنوات طويلة من التأليف والقراءة والبحث، والإبحار في المعاجم. هذا فضلاً عن اهتمامه شديد الخصوصية بالشأن السياسي وإسهاماته العميقة في هذه المجالات جميعها. وهو أيضاً شاعر (له ديوان «الأخلاط والأمزجة» ـ 1988)، وكاتب سيناريو («بيروت اللقاء»، إخراج برهان علوية ـ 1983). لكنه قبل كل شيء كاتب وصاحب جملة مفكّرة ومتفلسفة، منفتحة على حداثة فرنكفونية وعالمية، وعلى إرث عربي عريق.
عندما يتحدث صاحب «ما علمتم وذقتم» (كتابه الشهير عن الحرب اللبنانية) في ندوة أو محاضرة أو حتى خلال إطلالة عابرة، يبدو كمن ينتقي مفرداته، متمهلاً في اختيارها بلا إبطاء ومتصيّداً المعاني بلا تأخر. ثمة بلاغة وحكمة ورصانة تصحب كلام الرجل وكتاباته وحياته اليومية. لذا قد يجد مشاهدوه اليوم، والأرجح هو أيضاً، صعوبة في مزج فخامته الفكرية واللغوية مع الخفة التي يتطلبها التلفزيون. صاحب كتاب «كلمن» يعترف، لـ“الأخبار” بأنه لا يحب التلفزيون، وبأنه يتهرب عادة من الجلوس أمام الكاميرا، إلا إذا كان الأمر يتعلق بقضايا ذات طابع عام، أو بكتاب له، أو حين يكون المضيف «مفضلاً» عليه. ويقول: “في الكتابة، تعرف ما الذي ستقوله وكيف. أما التلفزيون فلا يعطيك الوقت لتفكر في عباراتك، وقد تُسأل عن أشياء تحتاج إلى تدقيق ومراجعة”.
أحمد بيضون يغرّد الليلة خارج السرب. الحوار معه يتطرق إلى تفاصيل عدة، منها نظرته إلى الحرب الأخيرة على لبنان، ووضع البلد اليوم، ومسائل تتعلق بالنظام السياسي اللبناني. كما سيتضمن إطلالة على طفولته ونشأته في بلدة بنت جبيل، مسقط رأس صاحب «الجمهورية المتقطعة». أحمد بيضون، الماركسي العتيق، والمثقف الذي نشأ في مواجهة الزعامات الطائفية لا في حضنها أو على ركبها، سيكون ضيفاً فوق العادة على أحمد علي الزين، معد ومقدم «روافد». وهذا البرنامج هو من المواعيد القليلة الجديرة بالاهتمام، بين الفضائيات العربية والثقافة.

* الثامنة والنصف مساءً على شاشة «العربية».