بغداد ــ سعد هادي
لم تكن الحواجز الإسمنتية التي ظهرت فجأة حول صالة “دجلة للفنون” ظاهرة استثنائية تحدث للمرة الأولى في بغداد، إذ إنّ معظم قاعات العرض التشكيلي اختفت خلف الأسلاك الشائكة، بسبب رغبة القيّمين عليها في حماية اللوحات والأعمال الفنية من السيارات المفخخة أو العبوات الناسفةفي المنطقة المحيطة بفندقي “الميريديان” و“الشيراتون” والقريبة من ساحة الفردوس التي شهدت الحادثة الشهيرة لإسقاط تمثال صدام، أُغلقت أهم صالات العرض الفنية، إذ تعرّضت باستمرار لحوادث تفجير وصواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون. ومن بين هذه الصالات: الميزان، بغداد، و“قاعة المركز الثقافي الفرنسي”. أضف إلى ذلك صالات عرض أخرى كانت تقيم نشاطات ثقافية متعددة، وتنظم معارض لفنانين من مختلف التيارات الثقافية، فيما كانت تشهد حركة تسويق للأعمال الفنية لم تشهدها بغداد إلا في التسعينيات، وكانت تتناقض مع الظواهر المأساوية التي كان يفرزها الحصار الثقافي والاقتصادي الذي فرض بعد غزو العراق للكويت. وقد حدث ذلك بسبب قربها من أهم مراكز الاستقطاب التجاري والسياحي، ولأنها كانت تقدم خيارات فنية متعددة لروادها.
وشهدت بغداد هجرة بعض القاعات إلى الخارج. فصالة الأورفلي مثلاً أغلقت أبوابها وهاجرت إلى عمان بعدما أصبح شارع نادي الصيد الذي تقع فيه أشبه بثكنة عسكرية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى محترف الفنان رافع الناصري الذي ظل مفتوحاً بعد سفره إلى الخارج وظل يواصل إنتاجه للطبعات الغرافيكية المتميزة لنخبة من أفضل الرسامين العراقيين ويقيم معارض لها من وقت إلى آخر حتى اختفاء المحترف من خريطة صالات العرض الفنية.
تبقى صالة العرض الرسمية الوحيدة “الواسطي” التي افتتحت في المقر المؤقت لوزارة الثقافة في شارع فلسطين شرق العاصمة. إلا أنّ دخولها يتطلّب إجراءات أمنية صارمة، وهو ما أدى إلى عزوف العديد من الفنانين عن إقامة معارضهم، وخصوصاً أنّ عدد الزوّار يتقلّص يوماً بعد يوم.