مهى زراقطلم يكن الوصول قبل الموعد خبراً سعيداً بالنسبة الى غسان بن جدو، فمدير مكتب “الجزيرة” في بيروت يستغل كل دقيقة من أجل إنجاز عمله. وعند وصولنا كان يضع اللمسات الأخيرة على التقرير الميداني الخاص الذي أعده عن الأوضاع الإنسانية للنازحين والمصابين. حاول أن يستغل الدقائق المتبقية لانجاز عمله، لكنه توقف مرغماً مع اقتراب الموعد، سامحاً لمساعدته أن تذهب لتناول الطعام على أن يكملا العمل لاحقاً. منذ بدء العدوان الاسرائيلي على لبنان، وبن جدو لا يهدأ. نقص وزنه 12 كيلوغراماً. لا ينام سوى ثلاث ساعات يومياً. ومع ذلك، يؤكد أنه يستطيع الصمود، ستة أشهر اضافية، في وتيرة العمل هذه.
العمل الميداني
بن جدو لا يكتفي بعمله كمدير مكتب يخطط ويوزع العمل على زملائه، بل هو موجود في الميدان ويقدم برنامجه السياسي “من لبنان”. هو إذاً يخطط ويحاور ويراسل من أرض المعركة. ولا يجد في الجمع بين هذه المهمات الثلاث أي غرابة: “هذا طبيعي»، وإن كان يُظهر ميلاً الى العمل الميداني «لأنه أساسي». ويؤكد: «كنت أحب أن أذهب إلى الجنوب أيضاً، لكن لا يمكنني مغادرة بيروت». عامل آخر أسهم في دفعه إلى الأرض: «أريد أن أقول لزملائي إنهم ليسوا وحدهم من يخاطر بحياته».
ذكر الزملاء وفريق العمل يتكرّر على لسانه. كما يُكرر خلال المقابلة الإشادة بكل طاقم العمل من مراسلين ومصورين... وحتى موظفي خدمات، لأنهم قاموا بأدوارهم على أكمل وجه منذ اللحظات الأولى. هذه اللحظات الأولى هي التي تلت عملية أسر الجنديين الاسرائيليين، وأعقبها مباشرة قرار إرسال فريق إلى الجنوب، وتحديداً إلى مارون الراس: «عندما توجهنا الى هناك كانت لدينا حساباتنا السياسية وقراءاتنا ونجحنا».
وكشف أن «الجزيرة» كانت مهيأة مع فريق عملها لتغطية «أزمة ستحصل في لبنان نهاية شهر أيلول وبداية تشرين الأول، بناء على بعض القراءات السياسية. وكنت وضعت زملائي في أجواء وقوع أزمة إقليمية يكون لبنان جزءاً منها. هذا لا يعني أننا لم نفاجأ بالحرب، لكن التهيئة النفسية كانت موجودة إضافة إلى جهوزية الطاقم البشري».
... وفي الضاحية
لكن توسيع رقعة الحرب استدعى طلب مراسلين ومذيعين من المكتب الرئيسي في الدوحة: «في البداية طلبت مراسلين إضافيين: كاتيا ناصر ومراسل آخر لم يأت. ثم استقبلنا ياسر أبو هلالة ويوسف الشولي، ومذيعين آخرين: حسن جمول وعلي الضفيري». وعن آلية تكليف المراسلين يؤكد: «لا نجبر أحداً على الذهاب إلى مناطق خطرة. من يتطوع هو من يذهب. لكن الأغلبية كانت تريد ذلك». ويكشف في هذا الاطار أن فريق العمل في مرجعيون كان سيتعرض للاغتيال لو ذهب مرة ثانية «ولدينا معطيات أكيدة في هذا الإطار».
بن جدو ذهب بدوره الى مناطق خطرة، أبرزها الضاحية الجنوبية التي كان أول من دخلها بعد تعرضها لليلة كاملة من القصف: «لم أستطع في حينه أن أدخل الكاميرا بسبب القصف، فقدمت رسالة عبر الهاتف لأكثر من ساعة، تعرض خلالها تلفزيون المنار لغارة قوية». أما زيارته الثانية إلى الضاحية، فكان هدفها توثيقياً: “هي شاهد تاريخي على المجازر الاسرائيلية في هذا العدوان. أريد أن يتحدث العالم لمدة قرن عن الضاحية. هناك تقصير بالغ في تقديم صورة الضاحية الجنوبية إلى العالم”.
الاعلام الغربي
وفي تقويمه للتغطية الإعلامية لهذه الحرب، يرى بن جدو أن العرب أثبتوا مجدداً مهنيتهم وحضورهم في وقت ازداد فيه الإعلام الغربي تحيزاً: “غابت المهنية والموضوعية عن الإعلام الغربي بشكل فج. في الحرب على العراق أيضاً، لكن في حينه كان يمكنك أن تبرري مثلاً أن صدام حسين لم يكن حاكماً جيداً لشعبه”. أما عن وسائل الإعلام العربية، فهو يسجل عتباً على بعضها “التي اختارت الانطلاق في تغطيتها من خلفية سياسية مناوئة لـ“حزب الله” وهذا خطأ مهني. هناك معركة على الأرض ينبغي أن يغطيها الإعلامي كما هي”. ولا يفوته أن يسلط الضوء على أبرز المصادر الخبرية في هذه الحرب وهي بيانات المقاومة الإسلامية «التي أثبتت أنها تصرفت بأخلاقية عالية. لم أشعر بأنها خدعتنا بشيء أو ضلّلتنا بمعلومة. لم نستطع أن ننفي أو نكذّب خبراً استقيناه منها».
وفي الختام لا بدّ من سؤال عن «انتصار الجزيرة» في هذه الحرب. يرفض غسان بن جدّو اعتبار المحطة طرفاً في المعركة: «الجزيرة مؤسسة إعلامية تؤدي دورها بشكل طبيعي وموضوعي وواقعي جداً. والواقع أن هناك عدواناً اسرائيلياً وهناك جرائم، وأن الشعب اللبناني يقاوم... هذا من الناحية الميدانية. أما سياسياً فنحاول أن نكون موضوعيين ومتوازنين إلى أقصى حد». هذه الفلسفة هي برأي بن جدّو سرّ النجاح. أما التقصير برأيه ــ إذا كان لا بدّ من نقد ذاتي ــ فهو عدم القدرة على “الوصول إلى الكثير من المناطق التي شهدت مجازر”. ويضيف بابتسامة متواطئة: “كنا نتمنى أن نغطي قتال المقاومين».