جورج موسى
اقتحم العدوان الإسرائيلي المشهد الفضائي العربي، فبدّل ملامحه كلياً. وباغتت ضراوة الغارات والمجازر الفضائيات التي شرّعت أبوابها لـ “تلفزيون الواقع”. لكن الأحداث المتسارعة لم تسمح للتقنيين بالتفنن كثيراً في لعبة المونتاج. “الواقع” انتصر هذه المرة على “التلفزيون”، الصورة التي تسابقت عليها المحطات، صارت هي الحدث. كانت الشاهد الوحيد الذي نقل إلى العالم مجازر إسرئيل في لبنان، والوحيدة القادرة على تحريك الرأي العام.
في الماضي القريب، خسر العرب حروباً إعلامية كثيرة لأننا حرمنا من الصورة. إلا أن الحرب الأخيرة مثّلت امتحاناً حقيقياً لمحطات التلفزيون التي واجهت بشراسة التعتيم الإعلامي الذي حاول فرضه الغزاة، وحملات التضليل في الإعلام الغربي. وكسر الاعلام العربي القيود التي تفرضها عليه السلطة عادة، فإذا بتقاريره لا تعود باهتة، وإن اختلف التعاطي مع الحدث بين مؤسسة وأخرى تبعاً للخلفية السياسية التي تحرك كلاًّ منها: صمود تلفزيون “المنار”، وموضوعية “الجزيرة”، والمسافة التي اتخذتها “أل بي سي” من المقاومة، بعكس “نيو تي في” التي تماهت مع الخطاب المقاوم، وتركيز “العربية” و“المستقبل” على القضايا الإنسانية... كل هذا يؤكد أن المشهد الفضائي في العالم العربي لن يبقى كما هو. دخل مرحلة جديدة، ضارباً عرض الحائط بتهم التفاهة والهامشية والاستخفاف بقواعد المهنة. بعد صور الدخان المتصاعد من ركام عمارات الضاحية في بيروت، لم يعد الدفاع عن القضية عملة نادرة. أخيراً، بدأت “ال بي سي” عرضاً مكثّفاً لإعلان يبشر المشاهدين بعودة “ستار اكاديمي”. تلفزيون الواقع صامد في ديار العرب. لا يهمّ إن لم ينطلق من لبنان، لكنه حريص على تحقيق أحلام المجد والنجومية لشباب الأمة. وهي من خلاله، تعد المشاهدين بتمضية شتاء هادئ، بعد صيف ساخن ألهبته مشاهد الدمار ومسلسلات المجازر. وماذا عن المشتركين اللبنانيين في المسابقة؟ يقول أحد المسؤولين عن “ستار اكاديمي”: “أل بي سي” حريصة على إعطائهم فرصة عيش حياة هانئة بعيدة من الحرب التي دمرت أحلامهم”... هل يشبه تلفزيون الواقع في “أل بي سي” ذلك الذي اجتاح شاشات الحرب؟