أهالي جزين انتظروا في ساحتها في الساعات التي سبقت وقف النار (كامل جابر)
خالد صاغيّة

انتهت الحرب. هكذا قالوا.
وهذا يعني دماراً أقلّ، وموتاً أقلّ، وتهجيراً أقلّ، ووجع رأس أقلّ، وأقراصاً مُنوِّمة أقلّ، وبرامج سياسيّة أقلّ...
انتهت الحرب. هكذا قالوا.
وهذا يعني يوميات أقلّ سرعة، يوميات أقلّ غضباً، أقلّ حزناً، أقلّ إثارة، وأقلّ توتّراً...
إنّه مجتمع القلّة، لا مجتمع الوفرة. فبعكس ما ادّعى كثيرون ممّن بكوا الموسم السياحي، فإنّ نهاية الحرب تكبح استهلاك أشياء كثيرة، أشياء لا تُعرَض في الأسواق دائماً. وأشياء لا تُعرَض في الأسواق أبداً.
انتهت الحرب. هكذا قالوا.
لندع القلّة جانباً. ما تطرحه نهاية الحرب فعلياً هو إمكان ابتكار آلية، أو ربّما مجرّد آلة، لإعادة «رَكلجة» الجهاز العصبي. لا بدّ من جهاز كهذا، جهاز ذي وظيفة مزدوجة. الوظيفة الأولى هي إعادة أحاسيسنا إلى مستواها السابق. فتعود حاسّة الذوق والسمع والنطق إلى ما كانت عليه في زمن ما قبل 12 تموز. أمّا الوظيفة الثانية فهي عدم التأقلم التام مع خروجنا إلى العالم مرّة أخرى. فنحن لا نعرف متى ستأتينا حرب تالية. وبالتالي، ليس محبّذاً أن نتعوّد تماماً على ما يعرف في سائر أصقاع الأرض بالحياة الطبيعية.
انتهت الحرب. هكذا قالوا.
غداً يعود من سمّيناهم بالنازحين إلى الأرض التي نزحوا منها. لن ينتظروا إذناً من أحد. ستعود لهم أسماؤهم، وتعود لنا حياتنا، لكنّ كلّ ما فيها أقلّ.