strong>خالد صاغيةفي الضاحية، قلّة من المارّة تستعين بالكمّامات. معظم الناس يضعون أيديهم على أنوفهم. لا رائحة بارود هناك، ولا رائحة موت كامن تحت الركام. إنّها، على الأرجح، رائحة الصدمة.

الصدمة وعدم الرغبة في التصديق. كأنّما يستعين المرء بأنفه كي يكذّب عينيه. أو كأنّ مشاهد هذا الدمار تأتي من مكان آخر. فما تراه أمامك الآن، سبق لك أن تفرّجت عليه في التلفزيون.

في نشرة أخبار، أو في نقل مباشر. الفارق الوحيد أنّه الآن، حين تراه حقاً، لا يبدو حقيقياً. ولعلّ هذا الشعور هو ما يجعلك تتردّد في لمس أيّ حجر، أو أي قطعة أثاث محطّمة. إنّه أكثر من تردّد. إنّه الافتراض بأنّ ما حولك عصيّ على اللمس، وربّما عصيّ على الوجود نفسه.
الشباب الذين يقفون أمام بعض الحواجز الحديدية التي وضعوها على عجل، يمنعونك من التقدّم إلى ما كان يُعرف بالمربّع الأمني. «تتنَقْوَز» على المربّع من الخارج. لقد أصبح مربّعاً بالفعل. تنظر في وجوههم ملياً، محاولاً إقامة شبه بينهم وبين الوجوه التي تظهر في «كليبات» المقاومة. فيزداد إحساسك السابق بأنّ ما تراه ليس حقيقةً هنا.
في الضاحية، قلّة من المارّة تستعين بالكمّامات. معظم الناس يضعون أيديهم على أنوفهم. لكنّ أحداً منهم لا تبدو على وجهه علامات الامتعاض. كأنّ الرائحة جزء من الرحلة إلى عالمهم الجديد. ينظرون إلى الدمار، ويُعجبون. فرغم كلّ شيء، لم تحنِ الضاحية رأسها.