بيار أبي صعب
خروج فيلم أوليفر ستون الجديد الذي يدور في دوّامة 11 أيلول، الى الصالات في أميركا، مناسبة لاستعادة العلاقة الوثيقة بين السينما الأميركية والحرب: منذ أفلام رعاة البقر ــ التي تشكل نوعاً فنياً على درجة من الخصوصية، يسكن مخيلة هواة الفن السابع ومبدعيه في العالم ــ إلى الإنتاجات الهوليوودية الضخمة التي توحّد الشعب الأميركي حول خطر خارجي داهم (الشيوعية ثم الإسلام والإرهاب). هذا الخطر يُسيطر دائماً عليه ويُسحق، فينتصر “الخير” على “الشر”، و“الحقّ” على “الباطل”. تماماً كما كان الرجل الأبيض، الطيّب، “راعي البقر” الذي يذكّرنا به أوليفر ستون في حديثه الى “الأخبار”، يمتطي حصانه، ويركب المخاطر، حاملاً المدنية إلى الهنـود الحمــر “الأوباش” والأشرار.
مشروع “الشرق الأوسط الجديد”، بهذا المعنى، فيلم أميركي، شكلاً ومضموناً، يستعيد حروب “التمدين” القديمة (العنف الأعمى والتفوّق “التقني” في خدمة مطامع استراتيجية، والمستعمر الوافد في مواجهة حضارات عريقة لا يفقه منها شيئاً). وقد يكون نور الشريف مصيباً في قوله على قناة “الجزيرة” إن أميركا لم تربح في تاريخها حرباً خارجيّة... إلا في السينما. لكن السينما لا يمكن الاستهانة بها، إنّها الأداة التي تعيد اختراع الواقع، وكتابة التاريخ، وقولبة الوعي الجماعي. من هنا حتماً الفكرة التي طلع بها نور الشريف وحسين فهمي بضرورة تحقيق فيلم عن المقاومة اللبنانية في صيف 2006.
وهذا الفيلم ــ لو أبصر النور ــ سيكون “الرواية الأخرى” لأسطورة الشرق الأوسط الجديد... وسيلتقي حكماً مع الوجه الآخر للسينما الأميركية، والثقافة الأميركية بشكل عام. ثقافة الاحتجاج التي أنتجت أفلام حرب فيتنام. فيها يبدو “الجندي الأبيض” ضحية نفسه، ضحيّة وعيه الشقي، ضحيّة العنف الذي مارسه على الآخرين حتّى ارتدّ عليه! والمقاوم اللبناني، المتجذّر في تربته، فـي مواجهة عدوّ متفوّق تقنياً ومادياً، لا يختلف كثيراً عن مقاتل الـ«فيتكونغ» الذي توصّل بإصراره وتشبّثــه بقضيتـــه إلى إعادة «اليانكيز» من حيث أتوا.
تُرى هل ستفرز السينما الاسرائيلية ــ والأميركية ــ أفلاماً مشابهة اليوم، تتناول الصدمة العميقة لجنود في جحيم لا يفقهون منه شيئاً، ولمجتمع بأثره يتخبط في الرمال المتحركة لبراكين الشرق الأوسط؟