لوس أنجلس ــ محمد رضا
عشية انطلاق فيلمه “وورلد ترايد سنتر” (مركز التجارة العالمي) في الصالات الأميركية تمهيداً لتوزيعه أوروبياً وعربياً، التقت “الأخبار” المخرج الأميركي أوليفر ستون، وكان حديث عن فيلمه الجديد الذي أثار، كالعادة، الكثير من الجدل في صفوف النقاد الأميركيين. أجاب مخرج “جون أف كينيدي” و“نيكسون” و“الإسكندر” أخيرا،ً "أنّه ينبغي أن يكون شبيهاً بفيلم "معركة الجزائر”، أي أن يكون أبطاله أسرى المكان وأن تشمل الدراما التي تعالج مفهوم الإرهاب الأميركيين والعرب على السواء”.
جاءه المشروع من دون أن يسعى اليه. وكانت النتيجة فيلماً يختلف كلياً عن "معركة الجزائر”، إذ إنه لا يستغل الفرصة لطرح موضوع الإرهاب. هذه المرة،

استبدل أوليفر ستون الطرح السياسي بالموضوع الإنساني في فيلمه "وورلد ترايد سنتر” ("مركز التجارة العالمي”) الذي تدور أحداثه نهار 11 أيلول 2001. كلّنا شاهدنا ما حدث ذلك اليوم، باستثناء بطلي الفيلم، ضابط البوليس جون مكلولين والشرطي ويل جيمينو! فاتهما الحدث على شاشات التلفزيون، وكل ما كانا يقومان به، هو مساعدة الناس في الخروج من مبنى مركز التجارة العالمي. فجأة تهاوى المبنى ووجد جون وويل وآخرون أنفسهم تحت الأنقاض والركام. من هنا تبدأ القصة!
“ترايد وورلد سنتر” ليس فيلماً سياسياً كما عوّدنا أوليفر ستون في أفلامه السابقة، هو الذي بنى شهرته على فيلم معاد للحرب الفيتنامية (فيلق) والمنتقد الشرس للسياسة الأميركية. بعد هذا التاريخ السجالي، من حقّ المشاهد أن يتوقع فيلماً سياسياً يستمدّ موقفه من المعالجات الريبورتاجية الدقيقة والباحثة التي اتسم بها معظم أفلام ستون. لكنه سيصاب بالخيبة: "وورلد ترايد سنتر” قد يكون أفضل فيلم في تاريخ “سينما الكوارث”. هو عبارة عن مادة درامية يمكن وضعها في أي إطار كارثي آخر. فلا طروحات سياسية ولا مواقف تأمّلية لما حدث، ولا حتى استنتاجات. “الأخبار” التقت أوليفر ستون في نيويورك وكان هذا الحوار:
■ تساءل كثيرون عن أسباب توقيت هذا الفيلم؟
- الحادثة تركت تشوّهاً في الانسان قد يبقى ماثلاً مدى الحياة. أريد أن يشاهد فيلمي الأميركيون وغير الأميركيين، فهو دراما تتناول اللحظات الإنسانية التي عصفت بحياة كل من في هذا الفيلم، وهي تختزل لحظات تخص مجموعة محددة من الناس. لا يمكن تحقيق فيلم عن كل انسان عانى يومها أو لاحقاً من هذه المأساة.
■ هل توافق على تصنيف الفيلم في خانة الأفلام الكارثية مع ملامح من الدراما العائلية؟
- ربما. لكن المحنة شاملة. أقصد أن هناك أكثر من محنة واحدة، عائلة هذين الشرطيين تمر بمحنة لا تقل أهمية عن تلك التي يمران بها.
■ العنوان مباشر في إحالته الى الواقعة الأليمة، لكن الفيلم ليس مباشراً. بل يندرج ضمن إطار فردي، أي انه لا يتوصل الى رسم صورة شاملة، كما يوحي عنوانه “ترايد وورلد سنتر”.
- صحيح. وهذا مقصود. العنوان أشبه براية كبيرة. أما الموضوع فيتناول قصّة حقيقية عن شرطيين يعيشان اليوم مع ذكرياتهما. لا أقول إن قصّتهما هي الأهم، لكن هذا هو الفيلم. عندما عرض عليّ المشروع المستوحى من ذكريات جون وويل، تحمّست لزاوية المعالجة، وكان عليّ الالتزام بالطرح. لم أكن في وارد تسييس تجربتهما، وهي ليست مسيّسة أساساً.
كما أن معظم النقاد يحاولون تصنيفي في خانة محددة. قالوا إنّه ليس الفيلم السياسي المتوقع من أوليفر ستون. لكنني لم أخض في مجال الفن السابع لتحقيق نوع واحد من الأفلام. إذا نظرت الى أفلامي فستجد أنها ليست نمطية: من “السماء والأرض” الدرامي العاطفي الى “قتلة بالفطرة” ومن “نيكسون” إلى “جون أف كينيدي”.
■ أين تنتهي حريّتك كفنّان ويبدأ قيد الالتزام بالحقائق؟
- لا خيار لديّ سوى متابعة الحقائق. هذا ما حدث في الفيلم الجديد. لكن أفلامي السابقة تنوّعت. أمزج الهمّ الإبداعي بالقصة الحقيقية من دون أن أخاطر بتزويرها. لكن هناك الحقيقة وطريقة نظرتنا اليها... ولا نستطيع الفصل بينهما أحياناً.
■ هل تستطيع أن تفصل بينهما؟
- لا أدري إذا كنت أستطيع أن أفصل بينهما دائماً. حين فشل فيلم "الإسكندر” اتّهموني بأنني ألوم الأميركيين لأنهم لا يعرفون شيئاً عن التاريخ. الحقيقة أننا نتابع التلفزيون أكثر مما يجب، والتلفزيون لا يحمل لنا شيئاً سوى الدعايات الإعلانية. لا أعتقد بأن التاريخ كان يوماً مادة مهمة بالنسبة الى الأميركي. بينما نجح “الإسكندر” في العالم، وهذا ما يدلّ على أن هناك اختلافاً كبيراً حتى بين شعوب تتشابه في الثقافة.
■ ذكرت أن هذا الفيلم يتحدث عن موضوع إنساني، لكن كيف نفصل الإنساني عن السياسي؟
- هناك في الولايات المتحدة اتجاه سياسي واضح تعامل مع أحداث 11 أيلول بطريقة خاطئة. أقصد أن الولايات المتحدة راحت على الفور تقول للعالم: إما أن تكونوا معنا أو نعدّكم ضدّنا مع قوى الشرّ. هكذا استدرجت إدارة بوش العالم أجمع إلى حرب كونية “على الارهاب”. لكننا في الحقيقة لا نحارب الإرهاب حالياً. أنت عربي وفي إمكانك أن تفهم ما أعنيه أكثر من الآخرين! إن منطق الادارة الأميركية، على مستوى السياسة الخارجية قد لا يبتعد كثيراً عن منطق رعاة بقر.


الجانب المظلم من التاريخ الأميركي
لكن هذا السينمائي المولع بالتاريخ، يحاول في الكثير من أفلامه أن يحرّك السكين في مبضع الذاكرة الجماعية لشعبه. بدءاً بحرب فيتنام التي عاشها جندياً في شبابه، وكرّس لها فيلمين: الأول “بلاتون” (1986) و “مواليد 4 تموز” (1989).... وصولاً الى «جي إف كينيدي» (1991) الذي يوجّه إصبع الاتهام الى دائرة الاستخبارات الأميركية، وبعده «نيكسون» (1995). ولا بد من الإشارة الى تعامله الاستفزازي مع العنف الأقصى في اللاوعي الأميركي مع «قتلة بالفطرة» (1994). ولا ينبغي أن تفوتنا الإشارة الى الفيلمين الوثائقيين اللذين كرّسهما لفيديل كاسترو («كوماندانتي» ــ 2002)، وياسر عرفات («غير مرغوب فيه» ــ 2003).