مهى زراقط
لم تقتصر الحرب الإعلامية بين لبنان واسرائيل ــ خلال الشهر الدموي ــ على البيانات والتصريحات والمنشورات، بل تعدّتها إلى تشكيك اسرائيلي بكل الصور التي التُقطت خلال هذا العدوان.

شية مجزرة قانا الثانية في 30 تموز الماضي، حلّ المصوّر عدنان الحاج علي (وكالة رويترز) ضيفاً على برنامج “كلام الناس”،

وأعلن أن لبنان خسر إعلامياً في هذه الحرب لأنه لم يحصل بعد على صورة حقيقية لها. صورة تنقل إلى العالم المجازر والضحايا التي ما زالت تحت الركام في القرى المعزولة بفعل تقطيع أوصال الطرق.
لم تمر ساعات على هذا الحديث حتى وقعت مجزرة ثانية في قانا.

واستطاعت وسائل الإعلام أن تصل إلى القرية وتصوّر الضحايا. وكانت للحاج علي واحدة من أبرز هذه الصور التي تصدّرت العديد من وسائل الإعلام العالمية: المسعف الذي حمل الأطفال وهم نيام. الصور التي هزّت العالم، لم تقنع الاسرائيليين! فعمدوا عبر مدوّناتهم الالكترونية إلى التشكيك بصحتها بل حتى نفيها، بحجة أنها بُثّت في أوقات متفاوتة، الأمر الذي يعني أن المسعف الذي كان يحمل جثة الطفل في الساعة التاسعة مثلاً، عاد وحملها في الساعة العاشرة... في المقابل، رفضت وكالات الأنباء هذا الاستنتاج، موضحة أن تفاوت التوقيت مرتبط بفارق الوقت بين وصول الصورة إلى المكتب وإعادة بثها.
خمسة أيام تلت هذه الضجة. ثم جاء إعلان “رويترز” عن استغنائها عن خدمات المصوّر عدنان الحاج علي (المعروف باسم عدنان حاج) بحجة التلاعب بإحدى صور العدوان، بعدما أضاف، عبر برنامج “فوتوشوب”، المزيد من الدخان إلى صورة لغارة اسرائيلية على الضاحية. وكان الاسرائيلي شارل جونسون صاحب مدوّنة Little Green Footballs هو من اكتشف التلاعب الذي مثّل بداية حملة اسرائيلية على “رويترز” ومصوّرها.
وانتشر اسم هذا الاخير في العالم، ودخل الموسوعة الالكترونية “ويكيبيديا” بصفته “إسلامياً لبنانياً”. يكفي أن تكتب اسم “عدنان حاج”على محركي البحث “غوغل” أو “ياهو” لتحصل على مئات الأخبار والتعليقات عن الصورة التي “تلاعب” بها لـ“يسيء” إلى صورة اسرائيل في الحرب التي يفترض أنها “دفاعية” وضد “الإرهاب”. ودفعت هذه الحملة “رويترز” إلى سحب صوره (عددها 920) للتأكد من صدقيتها في وقت كان فيه صاحب مدوّنة ثانية يحكي عن تلاعب في صورة أخرى لغارة على النبطية، يقول إن الحاج علي أضاف إليها بالونين حراريين.
من جهته، ينفي الحاج علي أن يكون قد تلاعب بالصور. ويعترف بأنه حاول “تنظيف الغبار عن الأولى والصورة الأصلية بقيت أفضل من الثانية المشوّهة”، نافياً أن يكون قد تصرّف بالصورة الثانية. وفي حين يرى أن الاستغناء عن خدماته جاء نتيجة ضغوط تتعرض لها الوكالة، يقول إنه في صدد رفع دعوى تشهير عليها، خصوصاً أنه لم يكن موظفاً لديها. ويضيف: “لست أنا من يقرر أي صورة يجب أن تُبثّ. ألتقط مئات الصور يومياً وهناك من يختار”.
وأياً تكن الحقيقة، جاء تلاعب (أو تنظيف) الحاج علي لصورته ــ بما لا يضيف أي قيمة خبرية إليها ــ ليكون هدية ثمينة تقدم على طبق من فضة لوسائل الإعلام الإسرائيلية (المكتوبة والإلكترونية)، وإضافة جديدة إلى العراقيل أمام عمل المصوّرين اللبنانيين.
الاسرائيليون يراقبون كل الصور، ويعلّقون عليها في محاولة لنفي حتى أبسطها. ويعلّق أحد المواقع الالكترونية على تكرار نشر صورة لامرأة تبكي منزلها المهدّم في الضاحية الجنوبية في تاريخين منفصلين (22 تموز و5 آب)، عبر وكالتين مختلفتين (رويترز ووكالة الصحافة الفرنسية). وهذا ما يشرحه صاحب الصورة الثانية حسين الملا (وكالة الصحافة الفرنسية) بالقول: “هذه المرأة تتردد إلى الضاحية يومياً لتطمئن إلى منزلها ومنازل أولادها في بئر العبد ومعوض... التقيتها أمام مطعم الزغلول. وفعلاً كانت ترتدي الثياب نفسها”.
وينطلق الملا من هذا التبرير ليعرض المشكلة التي بات يواجهها هو وزملاؤه: “صارت معظم صورنا موضع تشكيك ومراقبة دقيقة”، وهذا يؤدي إلى تأخير في بث الصور عبر الوكالة “لأنها تخضع للتدقيق، وعلينا أن نجيب عن أكثر من مئة سؤال قبل أن يتم اعتمادها”.
يعترف الكثير من المصورين الذين فضّلوا عدم ذكر أسمائهم حفاظاً على علاقتهم بالحاج علي، بأن هذا الأخير أخطأ. أولاً لأنه تلاعب بالصورة وهذا مخالف للقانون، وثانياً والأهم، لأنه قدّم ذريعة لإسرائيل تتيح لها “التشكيك في صورنا مستندة إلى هذا الخطأ غير المبرر لأن الإضافات التي أجراها لا تقدّم شيئاً”.