نور خالد
ماذا لو كنت مقدم برامج، مشهوراً بـ«خفة الدم»، وقررت في لحظة «بمنتهى الجدية» أن تهين ضيفك، في الاستوديو، وعلى مرأى آلاف المشاهدين؟ لقد فعلها المقدم معتز الدمرداش أول من أمسفي إطلالته الأولى ضمن برنامج «90 دقيقة» على قناة «المحور» المصرية التي عادت قبل أيام بصيغة جديدة.
ضيف الحلقة كان الصحافي رفعت سيد أحمد، مدير مركز «يافا» للدراسات والأبحاث في القاهرة.
وهو يحمل دكتوراه في العلوم السياسية، ويكتب في أربع صحف عربية. يحب رفعت سيد أحمد اللبنانيين،

ولديه علم واسع بخفايا القضايا اللبنانية، من السياسة الى الشارع والخلافات الضيقة. كما أصدر أخيراً كتاباً عن سيرة حزب الله وأمينه العام السيد حسن نصر الله.
في الحلقة، قدم الدمرداش، ابن الممثلة المصرية كريمة مختار، أداءً مفرطاً من المبالغة في الانفعال والتهجّم على ضيفه والاستخفاف به، بما يسقط كل معيار مهني في أصول التعامل مع الضيف، وأخلاقي في احترام تاريخه ورأيه.
بدأت القصة عندما انتهى المذيع من محاورة وزير العمل اللبناني طراد حمادة، عبر الهاتف. إذ قرر الدمرداش الانتقال الى ضيفه في الاستوديو رفعت أحمد، ومناقشته في كتابه الجديد عن «حزب الله»، استوقفه ذاك معبّراً عن انتقاده للطريقة التي حاور بها حمادة. قائلاً: «طرحتم على الوزير أسئلة قديمة، لم تعد مطروحة أصلاً على الساحة اللبنانية، ولا ترددها غير الصحافة الإسرائيلية». كان يقصد الأسئلة البديهية عن دور حزب الله واعتباره «حزباً لبنانياً»؟
للضيف الحق في الاستفسار من المذيع عن «جو» اللقاء وطبيعته. لكن الدمرداش عدّ الأمر شخصياً. وكان علينا أن نتابع «وصلة» من الهجوم على رفعت أحمد، وصلت الى حد التهديد بإخراجه من الاستوديو، بذريعة «ضيق الوقت، وخصوصاً أن الداعية عمرو خالد ينتظر من لندن عبر الأقمار الاصطناعية».
وفي لحظة انفعال قصوى، سأل الدمرداش بغضب وغيظ، وبصوت عال: “ومين قال إن لبنان انتصرت؟”. وبغض النظر عن «التأنيث» الذي يحب الأخوة المصريون إلحاق لبنان به طوال الوقت، أمعن المذيع في التعبير عن مواقفه الشخصية، مثبتاً مرة أخرى حقه بإسقاط كل أدوات المهنه وأصولها: “بلاش الكلام العاطفي ده»، يقول لضيفه متسلّحاً بصفة التعقل التي بدا أنه يفتقدها.
ربما التأدّب وحده هو الذي منع رفعت أحمد من مغادرة الاستوديو، فلا شيء غير ذلك كان يجبره على البقاء على كرسي المهانة. مقدمة البرنامج مي الشربيني، الآتية من قناة «العربية» واستوديوهاتها «الهادئة»، لم تفلح في منع زميلها من جرها وجر البرنامج والمحطة، وكلهم أمام امتحان الإطلالات الأولى، الى متاهة المبالغة في الانفعال والتخلي عن اللياقة.
لماذا يشعر المذيع بأنه أهين إن لامه الضيف على القصور في الإعداد؟ ألم يكن من الأفضل احتواء ذلك الانتقاد والإفادة منه، وخصوصاً أن التجربة لا تزال في بدايتها. ولماذا شعر الدمرداش بأنه يجب عليه أن يعارك رفعت أحمد في شكل شخصي؟ ولماذا لم تسعفه «خفة الدم» هذه المرة، بعد أن استعان بها في برامجه الفنية على شاشتي «دبي» و“أم بي سي”؟
في المحصّلة، خسر الجمهور، في ضوضاء الاعتراك الذي وصل الى لهجة «الردح»، فرصة الوقوف على مضمون الكتاب ومصادر رفعت أحمد. كما خسر برنامج «90 دقيقة» شيئاً من الرهان على احترافية مفترضة، بحكم الخبرات الإعلامية المهمّة التي توافرت له.