محمد خير لطالما انقسم معارضو حسن الإمام إلى معسكرين: الأول ينتقد الميلودراما «الفاقعة» في أفلامه، والثاني يأخذ عليه حبّه المسرف للرقص، و«الاستعمال المفرط» للمشاهد الراقصة في أفلامه. حتى عندما قدم ثلاثية نجيب محفوظ، كانت مشاهد العوالم زبيدة وزنوبة وبناتهما من أهم ما بقي من ذاكرة الملحمة المحفوظية.
ميلودراما وراقصات! كان من الطبيعي إذاً أن يقع المخرج المصري المذكور (سينمائياً) في غرام بديعة مصابني، الراقصة الأشهر في تاريخنا المعاصر، والأكثر إثارة للجدل. كأن تجربتها فصّلت لتحاكي مخيلة حسن الإمام. هكذا نقل إلى الشاشة حياتها في العام 1975، أي قبل وفاتها بعام واحد، عن عمر ناهز السادسة والثمانين.
“بديعة مصابني” الذي يعرض عند الثامنة من مساء اليوم على شاشة «سينما1»، (قناة أوربت)، من بطولة نادية لطفي (بديعة)، وفؤاد المهندس (نجيب الريحاني) الذي يتزوج من بديعة مصابني لفترة قصيرة. وتستقل بديعة بمسرحها الخاص «كازينو بديعة»، الأشهر في تاريخ مصر. وتنضم إلى مسرحها فنانة جديدة هي الراقصة ببا (نبيلة عبيد). تنجح ببا في تحقيق شهرة واسعة، فتستقل بمسرحها الخاص، فيما تعيش بديعة إفلاساً فنياً ومادياً. تبيع المسرح وتعود إلى وطنها الأصلي لبنان.
هكذا ينتهي الفيلم. أما في الحقيقة، فسافرت بديعة من مصر هرباً من الضرائب. بعدما انتعش مسرحها في فترة الحرب العالمية الثانية - وكان رواده من وجهاء البلد وجنود الإحتلال البريطاني، إذ لم يكن أحد يدقق في حسابات الكازينو، في تلك الأوقات العصيبة. لكن الفنانة الشهيرة، صاحبة العلاقات والنفوذ، وجدت نفسها وحيدة بعد انتهاء الحرب. ازداد إنتاج صناعة السينما، فاندفع أعضاء الفرقة إلى الشاشة الكبيرة التي استقبلتهم بحفاوة. ولماذا لا تستقبلهم، وبينهم اسماعيل ياسين ومحمد فوزي وفريد الأطرش، ثم ملكتا الرقص الشرقي سامية جمال وبدوية محمد كريم التي أطلقت عليها بديعة اسم تحية كاريوكا؟
فقدت بديعة أعضاء فرقتها. وكبرت في السن ففشل فيلمها «أم السعد» (1946)، ناسفاً نجاحاتها السابقة في أفلام «ابن الشعب» (1934)، و»ملكة المسارح» (1936)، و»الحل الأخير» (1937)، و»ليالي القاهرة» (1939»).
هكذا لاحقتها الجهات الحكومية وهددتها بحجز ممتلكاتها. وتقرر بديعة الهرب: جمعت ذهبها وأموالها، تنكرت في زي راهبة، واتفقت مع طيار انكليزي على أن يهربها من مصر. اتجهت إليه في الموعد المتفق عليه في مطار روض الفرج ( لم يعد موجوداً اليوم)، وطارت إلى لبنان لتبدأ حياة جديدة. قضت مصابني 37 عاماً في مصر منذ أتت اليها في العام 1910، حتى رحلت عنها عام 1947. والفيلم الذي يعرض اليوم على شاشة «سينما1»، التابعة لقناة أوربت،يستحق المشاهدة. فهو يعرض الحياة الاجتماعية والفنية والسياسية للنصف الأول من القرن الواحد والعشرين، ضمن رؤية خاصة بحسن الإمام.