خالد الغربي
ابتعدت الطائرات الإسرائيلية عن سماء لبنان وتعبدت طرقات البلاد (أو ما بقي منها) بسيارات العائدين إلى قراهم، وتسلل على جنباتها جامعو «الخردة». ينتشر العشرات منهم ممن يعملون أساساً في هذا المجال أو أولئك الذين طرأوا على المهنة، فوق الجسور المهدمة و في المنازل ومسارح الخراب والدمار.
منذ اليوم الأول الذي تلا العدوان باشر جامعو الخردة مهماتهم في جمع كل ما خلفه الدمار من حديد ونحاس وتنك وبلاستيك، وسارع بعضهم الى قص قضبان الحديد العارية بعدما تحوّل الباطون الذي كان قائماً عليها الى ركام. يستخدم بائعو الخردة قوارير من «الأوكسيجين»، ويلفتون إلى أن الجسور المدمرة تحتوي أطناناً من الحديد المتناثر، تربكهم العوائق الحديدية التي كانت تفصل بين الطرقات وتربكهم أيضاً أعمدة الكهرباء والأسلاك النحاسية.
علي عيسى من عربصاليم يجمع «الخردة» من الحديد والتنك في أماكن تعرضت للقصف قرب مدينة صيدا، يتعاون مع شقيقه، ويقول: «عملنا لا يعدّ سرقة فالمعنيون سيرمون هذا الحديد المتراكم في البحر، والاستفادة منه ليست مساً بقيمة دينية أو أخلاقية، نحن حرمنا بسبب العدوان الإسرائيلي العمل وكسب الرزق طيلة شهر ونحاول أن نعوض ما فاتنا».
علي وشقيقه اختارا جمع الحديد لكن هناك من «يوسع دائرة أعماله» ويجمع شظايا الصواريخ والقذائف الفارغة لأن معدنها غالي الثمن، ولا يأبه من اختار «هذا المجال» للمخاطر التي قد تودي بحياته مع وجود أجسام غريبة وبقايا صواريخ لم تنفجر.
«إنها تجارة من صنع لبناني، اللي بيعرف كيف تؤكل الكتف». هذا ما قاله أحد جامعي شظايا الصواريخ إجابة عن سؤال حول خطورة العمل.
لا يكترث ممارسو هذا العمل كثيراً لسلامتهم وهمهم هو أن يحصلوا على مال يسد جوعهم. محمد الأطرش يجمع الخردة صيفاً وشتاءً ويقول «إذا توافرت لنا فرصة عمل نستطيع من خلالها إطعام أطفالنا وعائلاتنا وتبعد عنا شبح الفـــقر المــــدقع فلن نمارس هذا العمل المـــذل»، ثـــم يمضي متجولاً بين الأودية والطــرقات ومـــواقع رمي القـــمامة والنفايات تسع ساعات يومياً.
«لم أكن أفكر يوماً في جمع الخردة، لم أعرف أنني سأبحث عن مخلفات هذه الكارثة الوطنية لكن ليس باليد حيلة»، يعلق سامر العلي ويضيف أن قطع الحديد يستدعي همّة قوية وقدرات تفوق بعض الأحيان حدود العقل لأن بعض الحالات التي نعالجها تعتمد إضافة الى القوة البدنية على قوة تفكير ذهني.
الحاجة الى ما يعطيهم كفاف يومهم ويلبي الحد الأدنى من حاجات عائلاتهم تدفع بمئات المواطنين ومنهم بعض الأطفال الى جمع الخردة ، فهذا عمل يضر الصحة وممارسته صعبة وشاقة، والتمتع بالقوة البدنية من شروط «الانتساب» إليه، فصهر الحديد واستخدام آلات خطرة دونهما محاذير على السلامة العامة.
رجال وصغار لونت الشمس وجوههم بسمرة حارقة وأغرقتهم الحرب على لبنان في فقر مدقع، رفضوا الاستسلام للظروف القاهرة، ما خلفته الحرب من دمار هائل يرفع من وتيرة العمل في هذا القطاع بعدما تناثرت أطنان الحديد من أشلاء الجسور وردم المنازل.