مهى زراقط
“ما هي المؤسسة التي تعمل فيها؟ من هو مموّلها؟”.
سؤالان أصرّت إحدى الزميلات على الحصول على إجابات عنهما قبل أن تقرّر مساعدة صحافيين ايطاليين قدموا إلى لبنان لتغطية الحرب. لم يكن كافياً بالنسبة إليها أن يكون من أرشدهم إليها طرفاً موثوقاً “وطنياً”، ولا أن يكونوا من القادرين على دفع أجر جيّد لتعاونها معهم “ليس الأمر لعبة. نحن في حرب وعليّ أن أتأكد من أنهم ليسوا جواسيس”.
هاجس الجاسوسية أو العمل لمصلحة مؤسسة قد لا تدعم لبنان ومقاومته، كانا أحد الإشكالات التي رافقت عمل “مساعدي” الصحافيين الأجانب في لبنان. ويروي صحافيان محليّان رافقا زملاء لهما أوروبيين وعرباً في تغطية العدوان الأخير على لبنان بعضاً منها على سبيل المقارنة المهنيةويمكن القول إنّ الصحافي الأوروبي لا يختلف عن العربي في بحثه عن صورة بلده وموقعه في هذا العدوان. الصحافي الايطالي كان يبحث عن إجابة عن سؤال: “كيف سيستقبل الشعب اللبناني، الجنوبي خصوصاً، القوات الايطالية العاملة في اطار قوات اليونيفيل؟” أما الصحافي الأردني فكان همه الأول زيارة المستشفى الميداني الاردني وإعداد تحقيق مطوّل عنه.
تحقيقان مطلوبان مهنياً لجمهور الصحافيين. لكن اللافت، كما يروي مرافق للصحافي الأردني “أنه كان يحاول دائماً أن يعكس موقف بلده السياسي من خلال ما يراه على أرض المعركة، حتى في نقله لصورة الدمار”. هذا بالإضافة إلى الرغبة في إرضاء المؤسسة التي يعمل فيها من خلال القول إنه كان في قلب الحدث “رغم أني كنت أحاول دائماً إقناعهم بأهمية القصص الإنسانية في هذا المجال وبأن الحدث ليس بالضرورة على الجبهة”. ويؤكد أن هذا همهم الأساسي حتى لو اضطروا إلى تقديم معلومة غير صحيحة، مقدّماً مثالاً على ذلك: “اقترحت على أحدهم أن يعدّ تقريراً عن التشويش الحاصل على محطات التلفزة والإذاعات اللبنانية، أجراه لكنه قال لصحيفته إنه أرسله من صيدا... كيف يمكن أن يجري تحقيقاً مماثلاً في صيدا؟
الأمر مختلف بالنسبة الى الصحافي الايطالي. فقد اصرّ على نسب معلوماته الى مصدر في “حزب الله”. ونظراً الى صعوبة الوصول إلى أحد النواب أو المسؤولين السياسيين في الحزب، وافق أحد العاملين في المكتب الإعلامي على أن يقدّم إجابة رسمية عن لسانه ينقلها الصحافي سريعاً إلى إذاعته. دقائق وعاودت إدارة الراديو الاتصال بالايطالي لتقول إن اسم “فلان” ليس موجوداً ضمن لائحة المتحدثين باسم “حزب الله” وطلبت التأكد من صفته وموقعه في الحزب.
لا تعني المقارنة هذه أن الصحافي العربي كان أقلّ مهنية بقدر ما كان ملتزماً بسياسة مؤسسته، تماماً كما فعل الصحافي الاسباني الذي بقي في فندقه طالباً من مساعده تأمين مواعيد لمقابلات مع كبار السياسيين (رئيس الجمهورية، رئيس الحكومة، وزراء ونواب..).
ماذا عن مهنية الصحافي “المحلي” في هذا الإطار؟
يجيب الزميلان اللبنانيان: “هذا أيضاً عمل مهني... حاولنا أن نكون عيناً لهم على لبنان لأنهم من دوننا كانوا سيتصرفون كالعميان”.