محمد خير
ماذا تفعل إذا استيقظت ليلاً لشرب كوب من الماء أو دخول دورة المياه، وفوجئت بابنتك المراهقة المهذبة، راقدة على أرضية الحمام الباردة، غارقة في الدم، وبين فخذيها طفلة صارخة تتخبط في الحبل السري؟ مع ملاحظة واحدة أنك لا تسكن في قصر منعزل أو منزل تحيطه حديقة، بل في شقة ضيقة في حيّ شعبي، محاصرة بآلاف الشبابيك والأبواب و"كلام الناس لا يرحم"!
كعادة كل عمل فني يناقش قضية اجتماعية، لا أشرار ولا ملائكة، بل وحش عملاق يهيمن على الكل ويدعى المجتمع. إن أحداً ما ـــ هنا ـــ لم يخطئ: الأب المتدين لم يفرض حجاباً على ابنته، والأم ربتها من دون أن تبالغ في مراقبتها. البنت وحبيبها التلميذ أغرما ولم "يعبثا" إلاّ مرة واحدة من دون أن يعرفا أن الحمل قد يحدث من دون تمزّق غشاء البكارة حتى. أما الطبيب (المتدين) الذي ذهب إليه الأهل المفجوعون بالابنة النازفة، فقد حل الأمر على طريقته. بعدما أوقف النزيف، ختَن الفتاة التي تجسّد شخصيتها مايا شيحة في فيلمها الأول والأخير "أسرار البنات" من إخراج مجدي أحمد علي.
عمل هذا الأخير صيدلياً فترة من حياته غاص خلالها في المشاكل الاجتماعية، ورأى الأهل يزورونه ليلاً مع أبناء مدمنين أو فتيات نازفات... "فضائح" يشيح المجتمع نظره عنها، لكنّ مجدي أحمد علي قدّمها سينمائياً في "أسرار البنات" الذي يُعد أحد أهم أفلامه القليلة.
أما السيناريو الذي كتبته عزة شلبي فيحكي قصة الفتاة ياسمين (مايا شيحة) الانطوائية والخجولة وأسرتها البسيطة المحافظة المكوّنة من الأب خالد (عزت أبو عوف) الموظف من أصول ريفية، والأم عواطف (دلال عبد العزيز) ربة منزل محجبة.
تقع ياسمين في غرام شادي ابن الجيران (شريف رمزي) وتبدأ بينهما لقاءات “بـريئة” . حتى يفاجئها في صباح غاب فيه أهلها عن البيت واقفاً أمام باب غرفتها. يكتشفان جسديهما برعونة وارتباك. وبعد أسابيع يكتشفان الحمل. يسأل التلميذ أصدقاءه فيدلّونه على أطباء يجرون عمليات الإجهاض غير القانونية. لكنّ الجراحة مكلفة جداً لا يستطيع تلميذ أن يتحمّل أعباءها. يمرّ الوقت فيما ياسمين تحاول إخفاء بطنها المنتفخ عبر "تزنيره" بأقمشة خانقة.
بعد اكتشاف "الفاجعة"، تضع إدارة المستشفى المولودة الطفلة في الحضانة، إذ حاول والد ياسمين قتلها. على كل حال، تموت الطفلة بعد يومين في المستشفى. ويقرر الأهل تزويج شادي بياسمين. وصرخة الاحتجاج اليتيمة في الفيلم أطلقتها خالة ياسمين الجامعية المثقفة (سوسن بدر)، عندما هددت الطبيب الذي خَتن الصبية بفضح أمره إلى نقابة الأطباء.
موسيقى عمرو أبو ذكري الحزينة تعد أجمل ما في الفيلم مع مونتاج أحمد داوود وتصوير سمير بهزان الذي التقط العتمة في أرواح الشخصيات. أما مايا شيحة التي يقوم أهلها بفرض الحجاب عليها في الفيلم، فقد اعتزلت التمثيل، ثم تحجبت!
“أسرار البنات” حاز العديد من الجوائز منها جائزة أفضل سيناريو، وجائزة الجمهور في مهرجان سوسة السينمائي الدولي في تونس (2001) وجائزة لجنة التحكيم في مهرجان ميلانو الدولي للسينما الأفريقية (2002). ويعرض عند التاسعة والنصف من مساء اليوم على تلفزيون “الراي” الكويتي.