تميّزت قناة «العربية» بنشراتها الإخبارية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية. لكنها فشلت حتى اليوم في جذب المشاهد ببرامجها السياسية والاجتماعية... باستثناء «مهمة خاصة» الذي لا يسعه أن يكون الرافعة اليتيمة للقناةنور خالد

«كانت ليلة ماطرة. في الساعة العاشرة، قصدنا منزل جون باتيست حيث يعقد الزار. كان جون مسيحياً شهر اسلامه “لأن الأرواح طلبت منه ذلك”.
بدأت القصّة عندما أصيب جون بمرض لم يشفَ منه على رغم كل الأدوية والعلاجات التي وُصفت له.
بعد فترة، أخضعته عندها أمه إلى جلسة زار حيث قيل لها إن روحاً تريد أن تسكنه ولن يشفى الا إذا قبل بها... قبل وشفي.
ومنذ ذلك الحين أصبح مسلماً لأن الروح التي زارته منعته من الذهاب إلى الكنيسة...”.
ليس الكلام السابق مجتزأ من كتاب، أو تقريراً وثائقياً لمحطة «بي بي سي»، بل حلقة من برنامج «مهمة خاصة» الذي تبثه قناة «العربية» منذ سنوات، من دون أن يبهت لونه أو تتسلل اليه تجاعيد الضجر. الا أنّ الترهل أصاب برامج أخرى تبثها القناة، ما يستوجب عمليات تجميلية سريعة تقيها شر التحول الى صورة جامدة ينفض عنها الجمهور. المحطة لا تحب «الجماهيرية” بل “تترفّع” عنها حين تعني «صراخا ولعب على الأوتار العاطفية للشارع ونبضه... كما القنوات الاخرى».
هذا تصريح سمعناه مراراً من مسؤولين في المحطة. “المحطات الأخرى» تعني غالباً «الجزيرة». وإن كانت وجهة نظر “العربية” صحيحة، الا أنّ المشاهد قد يرى في الأمر كسلاً. وما قد يعزّز هذا الشعور هو فشل القناة في تقديم برامج تستقطب الجمهور باستثناء «مهمة خاصة» التي يستحيل الرهان على بقائها «يتيمة» في مواجهة برامج «القنوات الأخرى» (الجزيرة) مثل «نقطة ساخنة» و«لقاء خاص» و«زيارة خاصة» و«بلا حدود» وغيرها من الأسماء التي لا تنساها الذاكرة مقابل نسيان ربّما كلّي لدى استعراض برامج «العربية».
الاثارة والطرافة... والصدمة!
بالعودة الى «مهمة خاصة» البرنامج الأندر على القنوات العربية من جهة الاحتراف والمهنية العالية... فانه يقدم شكلاً متكاملاً للعمل الصحافي التلفزيوني الاستقصائي، القائم على مزج قيم التحقيق والبحث والنبش والسؤال، مع قيم أخرى تحتمها المادة التلفزيونية مثل الاثارة والغرابة والطرافة وإحداث الصدمة.
مراسلو البرنامج، الذين لا نعرف وجوههم تماماً كـ”الجندي المجهول”، لا ينتشرون في الأماكن التقليدية بل في الضواحي الخلفية للخرطوم، وفي الأزقة الأشد ظلمة وقتامة لأحياء القاهرة، فـــــي المنازل والبيوت المقفلة على أسرارها في مدغشقر، وحقول الفلاحين في مدن الهند، وخلف تلال القمـــامة في كمبـــــــوديا، وعلى قمة جبل الجرزيم النابلسي مع طائفة السومريين. والأمثلة كثــيرة ومتعــــددة.
وكل حلقة عبارة عن فيلم وثائقي مكتمل العناصر، تتسيّد الصورة فيه لبّ الحدث، وتذهب اللغة الى أقصى قدراتها التعبيرية من دون الاخلال بطبيعتها كلغة تلفزيونية.
«بؤساء» فيكتور هوغو
“الصحافي حيث يجب أن يكون” شعار بوسعنا تعميمه على الحلقات الكثيرة التي تتناول حكايات ذاخرة بحيوات «المدن السفلية» و»الأبواب المغلقة». عالم «مهمة خاصة» هو عالم من البحث عن الأسطورة والخرافة، الأقليات والمهمشين، المطحونين والمعذبين.
عالم من “بؤساء” فيكتور هوغو و”مجانين” باولو كويلو. اجساد تتلبسها الارواح. مثليون. مجرمون. ضحايا. أطفال يعتاشون من المزابل، مزارعون يحرقون أنفسهم احتجاجا على الاهمال.
مواطن جنوبي من لبنان يحكي عن أسرته التي أحرقها الاسرائيليون على طريق صور. يحكي تفاصيل القصة التي روتها نشرات الأخبار، مختزلة اياها الى ارقام. حيوات واحلام وشاب لم يتسنَ له التأكد من نجاحه في «البريفيه»، لأن الحياة أخفقت وانتزعه الموت.
قدرة تأثير هائلة
يتمتّع مصور البرنامج وفريقه بقدرة تأثير هائلة حتى يتمكنوا من اقناع الرجل بأن يتمشى مع ابنيه المتبقيين، بعدما قضى صاروخ كيماوي على زوجته وابنين وصهره واخته وآخرين.. دفعة واحدة.
الرجل يمشي، والكاميرا تلاحقه. كما تخترق الجنازات. تطيل البث. اكثر من ثلاث دقائق في حضرة الامهات المفجوعات، يرابضن امام التوابيت وينتحبن. «مهمة خاصة» ليس نشرة أخبار تستعجل اختزال نحيب الأم في الجنازة. انه هناك ليشارك في الجنازة، كما في حلقته التي بثت مساء الخميس الماضي.
البرنامج، المتحرر من مأزق قناته التي “يكبّلها” الموقف السياسي، يكاد يكون «نجم» القناة، التي- وان رأى بعضهم أنها نجحت في الترويج لخطاب اخباري «هادىء» و”موضوعي» و “أقرب الى الحقيقة»، كما تدعي- فإنها أخفقت في تصدير برامج “جماهيرية”.
يمكن القول إن «مهمة خاصة» هو البرنامج اليتيم الأكثر تميّزاً على قناة “العربية”.
يعرض البرنامج عند الساعة الثامنة والنصف من مساء كل خميس ويعاد عرضه ظهر يوم الجمعة.


«إم بي سي» تراهن على الإنتاج الدرامي
قرّرت مجموعة “إم.بي.سي” السعودية خوض مجال الإنتاج الدرامي. إذ أسست شركة جديدة تعنى بهذا المجال، وأرسلت ممثلين عن الشركة زاروا الشهر الماضي العاصمة السورية لعقد اجتماعات تتعلق بمشاريع مستقبلية في مجال إنتاج الدراما السورية، وكانت دمشق المحطة الثانية لهم بعد القاهرة.
ولن تكتفي “إم بي سي” بعرض المسلسلات على شاشتها، لكنها ستعمد الى تسويقها للقنوات الأخرى. وبذلك تكون حذت حذو تلفزيون “دبي” الذي ينتج مسلسلات مصرية وسورية وخليجية منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي. ووصلت حصيلة إنتاجه أخيراً الى 14 عملاً درامياً في السنة، عرضت جزءاً منها الـ“إم بي سي” بعد ضمان العرض الأول على تلفزيون “دبي”. وتريد “إم بي سي” أن تكسر احتكار الإنتاج الدرامي الذي تمارسه شركات إنتاج حكومية في العالم العربي، كما في سوريا ومصر، أو تلفزة منافسة كما “تلفزيون دبي”. وتنضم الشركة الجديدة الى سلسلة من المؤسسات التي تعمل تحت مظلة مجموعة “ام بي سي”، مثل شركة “او ثري بروداكشين” التي تنتج أفلاماً وثائقية لقناة “العربية” وتبيعها الى مهرجانات وشاشات عالمية.