فرح داغر
يفضّل نقّاد كثيرون تحييد فيلم “سكر هانم” (1960) عن شبهة الترويج للمثلية الجنسية على رغم أنّه يظهر شخصية رجل هو الممثل عبد المنعم إبراهيم، يجسّد دور أنثى اسمها “فتافيت السكر”. والسيدة سكر، عمّة كمال الشناوي وعمر الحريري، هي “في الأصل” صديقهما الذي يهوى التمثيل، يستقدمانه ليدعم خطتهما في التودد الى الجميلتين سامية جمال وكاريمان. في المحصلة، تحضر العمة الحقيقية وتنكشف اللعبة.
رفضت غالبية النقاد أن ترى في الفيلم الذي يعرض على «ميلودي»، أكثر من معالجة كوميدية خفيفة لقصة ظهرت مطلع الستينيات من تأليف أبو السعود الأبياري وإخراج السيد بدير. زخرت تلك الحقبة بموجة ما سمّي “الأفلام الرشيقة” التي ابتعدت من الدراما “الثقيلة”. وكانت نتيجتها ظهور نجوم مثل سعاد حسني وحسن يوسف، وترسيخ نجومية من بدأ قبلهم مثل عبد المنعم إبراهيم.
يلعب عبد المنعم إبراهيم دور الأنثى باتقان، ما دفع بعض النقاد إلى وصفه بـ “أبرع كوميديانة مثّلت في مصر”. صوته الرقيق ونعومة ملامحه ساعداه في تجسيد الشخصية ببراعة. تلك الملامح خدمته أيضاً في فيلم “إشاعة حب”، حينما قلّد حركات هند رستم وصوتها. في “سكر هانم” سيشعر المشاهد، على مدى ساعتين تقريباً، بأنه أمام نموذج لشخصية “متحوّلة الجنس”، من دون أن تتسرب إليه المشاعر السلبية المعهودة من “اشمئزاز” أو “نفور”. الأبيض والأسود يوحيان، على رغم كل شيء، بزمن البراءة البعيد من تلك “الظواهر”.
وإن المعالجة الكوميدية تخفي أي رغبة ــ إن وجدت ــ في التطرق المبكر الى موضوع المثلية. فيحار المشاهد إن كانت الكوميديا هنا تسخر من المثلية أو تستخدمها للإضحاك؟ أو أن المخرجين يتخفّون وراء الكوميديا لتمرير رسائل عصية على التقبل الجماعي في ذلك الزمن؟ طبعاً. فحال سينما هوليوود لم تكن أفضل حين قدّمت تجارب المثلية المبكرة في القوالب الكوميدية المتخفية. حتى مسلسلات الـ“سيت كوم” لا تزال تفعل ذلك إلى اليوم، على رغم كل الانفتاح الذي أظهر المثلية بجرأة على الشاشة وصلت الى حدّ تكريم أفلام تناولت تلك المسألة وخصّها بجوائز عالمية.
إلا أن “سكر هانم” لم يكن استثناء في هذا السياق. أفلام سابقة ولاحقة مثل “الآنسة حنفي” و“بنت اسمها محمود” و“للرجال فقط” (سعاد حسني ونادية لطفي المتنكّرتان بزي رجال)، وأفلام كثيرة لرأفت الميهي (“سيداتي سادتي”، “سمك لبن تمر هندي”)، وصولاً الى محمد هنيدي ومحمد سعد... كلها أفلام أظهرت المتحوّلين في إطار مضحك خفيف، لا يصدم.
نموذج “سكر هانم” كان مقبولاً على الشاشة، لكن ليس في الشارع المصري في عام 1960 أو في عام 2006. “فذاك شغل سيما”، كما يحلو لبعضهم القول، مستريحاً من عناء التفكير في رسائل مدسوسة وظّفتها بعض الأفلام المصرية لتحاكي عالم المثليين. “شغل سيما”، قد يكون أيضاً هو الأخطر في نظر بعضهم الآخر من المصابين بـ“رهاب المثلية”. يُعرض “سكر هانم” ابتداء من الثامنة والنصف صباح اليوم على قناة “ميلودي أفلام”.